مناهج الأئمة المتقدمين

ابن المديني
قال أبو زرعة الرازي عن "فُضَيل بن سُليمان النُّميري": «روى عنه علي بن المديني، وكان من المتشددين». نقله عنه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (7|72). قلت فهذه شهادة إمام معتدل من أعرف الناس بابن المديني. وتشدده لم يبلغ مبلغ تعنت أبي حاتم، وإنما هو في مرتبة شيخه ابن مهدي، حيث أنه لا يترك من حدث عنه ابن مهدي. أما في الفقه فلم يكن من الفقهاء. وكان سلفياً في اعتقاده لكنه ضعُف وساير المعتزلة أيام الفتنة خوف بطشهم.
 

أبو حاتم الرازي
قال ابن تيمية في مجمع الفتاوى (24|350): «و أما قول أبي حاتم "يكتب حديثه ولا يحتج به"، فأبو حاتم يقول مثل هذا في كثير من رجال الصحيحين. وذلك أن شرطه في التعديل صعب. والحجة في اصطلاحه، ليس هو الحجة في اصطلاح جمهور أهل العلم». ونقل الزيلعي في نصب الراية (2|439) عن ابن عبد الهادي: «قول أبي حاتم "لا يحتج به" غير قادح، فإنه لم يذكر السبب. وقد تكررت منه في رجال كثيرين من أصحاب الصحيح الثقات الأثبات من غير بيان السبب». وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ (2|420): «قد عُلِمَ تعنُّت أبي حاتم في الرجال». وقال في السير (13|81): «يُعجبُني كثيراً كلام أبي زُرعة في الجرح والتعديل. يَبِيْنُ عليه الورَع والمَخبِرة. بخلاف رفيقه أبي حاتم، فإنه جَرّاح». وقال في السير (13|260): «إذا وَثَّقَ أبو حاتم رجلاً فتمسّك بقوله. فإنه لا يوثِّق إلا رجلاً صحيح الحديث. وإذا لَيَّن رجلاً أو قال فيه "لا يُحتجُّ به"، فتوقف حتى ترى ما قال غيره فيه. فإن وثقه أحدٌ، فلا تبنِ على تجريح أبي حاتم، فإنه مُتَعَنِّتٌ في الرجال. قد قال في طائفةٍ من رجال الصحاح "ليس بحجة"، "ليس بقوي"، أو نحو ذلك». وقال ابن حجر في مقدمة الفتح (ص441): «أبو حاتم عنده عَنَتٌ».

واشتهر عن أبي حاتم أنه لا يحكم بالجهالة إلا لمن كان مجهولاً فعلاً. حتى أن الذهبي لا يقول في "ميزان الاعتدال" عن رجل أنه مجهول، إلا إذا كان أبو حاتم قد أطلق عليه هذا اللقب. ومنهج أبي حاتم يعتمد على عوامل كثيرة، وليس فقط على عدد الرواة عنه (كما هو حال المتأخرين). قال الذهبي في المغني في الضعفاء (1|137): «قد يقول أبو حاتم فلان مجهول، ويكون قد روى عنه جماعة». قلت: وقد يوثق الرجل الذي ليس له إلا الحديث الواحد، ولا يروي عنه إلا رجل واحد. ومع ذلك فهو غير معصوم، إذ وثق أقواماً جهله بعضهم وأنكروا أحاديثهم، وجهل أقوماً عرفه غيره ووثقوهم. فبعض الذين أخطأ أبو حاتم الرازي في تجهيلهم:
‎•‎ الحسين بن الحسن بن يسار: قال أبو حاتم: "مجهول". وقال الساجي: "تكلم فيه أزهر بن سعد، فلم يُلتفت إليه". وقال أحمد بن حنبل: "كان من الثقات". قال ابن حجر: "احتج به مسلم والنسائي".
‎•‎ الحكم بن عبد الله أبو النعمان البصري: قال أبو حاتم: "كان يحفظ". وقال كذلك: "وهو مجهول". (قلت: لعله جهله في أول الأمر ثم سمع عنه فوثقه). وقد وثقه الخطيب والذهلي. وقال البخاري: "حديثه معروف، كان يحفظ".
‎•‎ عباس بن الحسين القنطري: قال أبو حاتم: "مجهول". ووثقه عبد الله بن أحمد بن حنبل.
‎•‎ محمد بن الحكم المروزي: قال أبو حاتم: "مجهول". ونقل أبو يعلى في الطبقات عن الخلال ما يفيد توثيقه.


أبو زرعة الرازي
قال الذهبي في السير (13|81): «يُعجبُني كثيراً كلام أبي زُرعة في الجرح والتعديل. يَبِيْنُ عليه الورَع والمَخبِرة. بخلاف رفيقه أبي حاتم، فإنه جَرّاح». ولكن الدكتور سعدي الهاشمي قال في خاتمة كتاب "أبو زرعة الرازي وجهوده في السنة النبوية" (ص1025): «أبو زرعة شديد المنهج، لا يتهاون ولا يتسامح في التجريح والتعديل. وعلى الرغم من وصف الذهبي له بقوله: "يعجبني كثيراً كلام أبي زرعة..." فقد جرح بعض الأئمة والحفاظ بسبب أو آخر، ولم يلتفت أو يراعي منزلتهم بين الحفاظ وعامة الناس. وهذا يرجع إلى تأثره بمدرسة شعبة بن الحجاج ويحيى القطان وابن معين وغيرهم من المتشددين». قلت: أبو زرعة معتدل في الجرح والتعديل يميل إلى التشدد، لكنه ليس متعنتاً، ولا هو ممن يخشى لومة لائم فيما يراه الحق من الأحكام على الرجال.

 

يحيى بن معين

قال ابن حجر موضحاً اختلاف أحكام ابن معين على الراوي: «ونقل ابن الجوزي عن ابن معين أنه ضعّفه. فإن ثبت ذلك فقد يكون سُئِلَ عنه وعمّن هو فوقه، فضعّفه بالنسبة إليه. وهذه قاعدة جليلة فيمن اختُلِفَ النقل عن ابن معين فيه». قلت: وكذلك كثيراً ما يكون السبب هو أنه وثقه في البداية لمجرد سماعه بضعة أحاديث منه (وهذا كثير عند ابن معين)، ثم يسمع أحاديث أخرى فيحكم عليه بالضعف. وإجمالاً فالقاعدة المتبعة هي أن نحاول أن نعرف كلامه كاملاً وإذا ما كان حكماً مطلقاً على الشخص، أم مقارنةً مع غيره. فإن لم نقع على ذلك، كان الجرح مقدّماً على التعديل. أو أننا نأخذ بالرأي الموافق للجمهور إن كان واضحاً. وقد قرر علماء المصطلح أنه إذا جاء في راو واحد قولان من إمام واحد، أُخِذَ بالقول الذي يوافق جمهور العلماء. ذكر ذلك ابن شاهين في كتابه "المختلف فيهم في عدة مواضع". وتعد رواية الدوري هي الأفضل (عند التعارض) من حيث أنه أكثر من لازمه من تلاميذه. و روايته هي من أواخر الروايات الواردة عن ابن معين، حيث أن الدوري هو من أواخر أصحاب ابن معين وفاة.

قال المعلمي في "الفوائد المجموعة" (ص47): «عادة ابن معين في الرواة الذين أدركهم أنه إذا أعجبته هيئة الشيخ، يسمع منه جملة من أحاديثه، فإذا رأى أحاديث مستقيمة، ظن أن ذلك شأنه فوثقه. وقد كانوا يتقونه ويخافونه. فقد يكون أحدهم ممن يخلط عمداً، ولكنه استقبل ابن معين بأحاديث مستقيمة، ولما بَعُدَ عنه خلط. فإذا وجدنا ممن أدركه ابن معين من الرواة من وثقه ابن معين وكذبه الأكثرون أو طعنوا فيه طعناً شديداً، فالظاهر أنه من هذا الضرب. فإنما يزيده توثيق ابن معين وهناً، لدلالته على أنه كان يتعمّد».

 

شعبة
قال ابن حجر في فتح الباري (12|217): «شُعبة لا يحمل عن شيوخه، إلا ما عرف أنهم سمعوه من شيوخهم». قلت: فكل ما يرويه شعبة عن المدلسين كقتادة وأبي إسحاق والأعمش وغيرهم محمولٌ على الاتصال. قال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (1|162): نا صالح بن أحمد: نا علي قال: سمعت يحيى يقول: «كل شيء يحدث به شعبة عن رجل، فلا تحتاج أن تقول عن ذاك الرجل إنه سمع فلاناً؛ قد كفاك أمرَه». وقد ذكر ابن حجر حديث «الماء ليس عليه جنابة واغتسل منه»، ثم قال في فتح الباري (1|300): «وقد أعَلَّهُ قومٌ بسماك بن حرب راويه عن عِكْرِمة، لأنه كان يقبل التَّلقين. لكن قد رواه عنه شعبة، وهو لا يحمل عن مشايخه إلا صحيح حديثهم».

وقد اشتهر شعبة بتشدده في النقد، ولا سيما عند المتأخرين: روى أبو زرعة في "الضعفاء" (ص618) عن ابن المبارك قال: «ما رأيت رجلاً أطعن في الرجال من شعبة». قال مالك (كما في تهذيب التهذيب 5|47): «شعبتكم يشدد في الرجال، وقد روى عن عاصم بن عبيد الله». وقال الذهبي في "المغني في الضعفاء" (2|792): «شعبة متعنِّت». قلت: هكذا وصفوه كما كان غالب تصرفه. ولكنه حَدّث عن جابر الجُعْفي (كذاب)، ومحمد بن عبيد الله العَرْزَمي (مجمعٌ على ضعفه)، وإبراهيم الهَجَري، وزيد العَمّي وغيرهم من الضعفاء. فلعله أحسن الظن بهم. وليس شعبة –على علو قدره– بمعصوم. ولعل سبب وصفه بالتعنت هو تضعيفه لكثير من الرواة لمسائل خفيفة لا تعدو كونها من خوارم المروءة. قال المعلمي: «وكانوا كثيراً ما يبالغون في الاحتياط، حتى قيل لشعبة: لم تركتَ حديث فلان؟ قال: رأيته يركض على برذون؛ وقال جرير: رأيت سماك بن حرب يبول قائماً، فلم أكتب عنه؛ وقيل للحكم بن عتيبة: لِم لم تروِ عن زاذان؟ قال: كان كثير الكلام».

 

يحيى القطان وابن مهدي
قال الذهبي في الميزان (3|247): «يحيى بن سعيد القطان متعنِّتٌ جداً في الرجال». وقال الذهبي في سير الأعلام (9|183): «كان يحيى بن سعيد متعنّتاً في نقد الرجال. فإذا رأيتَهُ قد وثّق شيخاً، فاعتمد عليه. أما إذا لَيَّن أحَداً، فتأنّ في أمره، حتى ترى قول غيره فيه. فقد لَيَّن مثل: إسرائيل وهمّام وجماعة احتج بهم الشيخان». وقال الحافظ في مقدمة فتح الباري (ص424): «يحيى بن سعيد شديد التعنت في الرجال، لا سيما من كان من أقرانه». وقال ابن المديني (وهو تلميذهما): «إذا اجتمع يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي على ترك رجلٍ، لم أحدّث عنه. فإذا اختلفا، أخذت بقول عبد الرحمن لأنه أقصدهما. وكان في يحيى تشدد». قال أحمد (كما في الكفاية ص154): «إذا روى عبد الرحمن بن مهدي عن رجل فروايته حجة. كان عبد الرحمن أولاً يتسهّل في الرواية عن غير واحد، ثم تشدد بعد. كان يروي عن جابر الجعفي ثم تركه». قال المعلمي في "الأنوار الكاشفة": «وعلى فرض أننا لم نعرف من حال راو إلا أن يحيى تركه وأن عبد الرحمن كان يحث عنه، فمقتضى ذلك أنه صدوق يهم ويخطئ، فلا يسقط ولا يحتج بما ينفرد به».
 

أبو نعيم
أبو نُعَيم الفضل بن دُكين المُلائي (ت219هـ) وهو مع عفان بن مسلم الصفار من المتشددين في الجرح، فإذا وثقا رجلاً فحسبك به. قال ابن المديني (في رواية الآجري): «عفّان وأبو نعيم، لا أقبل قولهما في الرجال. لا يدَعون أحداً إلا وقعوا فيه». قال الذهبيّ في السير (10|250) «يعني أنه لا يختار قولهما في الجرح، لتشديدهما. فأما إذا وثَّقا أحداً، فناهيك به»، لكن ما وصلنا من أقوالهما إلا القليل وأكثره في سؤالات ابن أبي شيبة. قال الذهبي في ميزان الاعتدال (5|426): الفضل بن دكين أبو نعيم: «حافظ حجة، إلا أنه يتشيع بلا غُلُوٍّ ولا سب». قال ابن الجنيد الختلي، سمعت ابن معين يقول: «كان أبو نعيم إذا ذكر إنساناً فقال "هو جيد"، وأثنى عليه، فهو شيعي». اهـ. قلت: فيجب الانتباه لتوثيق أبي نعيم.
 

ابن سعد
محمد بن سعد بن منيع، ولد في البصرة وسكن بغداد وصحب بها الواقدي وصار كاتبه. وقد طعن أئمة الحديث في عدالته، وفي أحكامه، أما في روايته فهو في مرتبة صدوق، ولم يخرج له أصحاب الكتب الستة. قال أبو حاتم: يصدق. وكذبه ابن معين. واعترض على هذا الخطيب وجعل الحمل على الواقدي. ولم يحتج بكلامه في الرجال أحد من السلف، مع أنهم احتجوا برجال خالفوهم في المذهب حتى أنهم كانوا يذكرون أقوال ابن خراش والشاذكوني لأن عندهم علم، فأين ذكروا ابن سعد؟ إنما ذكره المتأخرون فقط.

كما أن أغلب مادته من الواقدي المتروك، كما ذكر ابن حجر في "مقدمة الفتح" عند ترجمة عبد الرحمن بن شريح. وقال ابن حجر في "مقدمة الفتح" (ص618) في ترجمة محارب بن دثار (وهو أحد الأئمة الأثبات): «وقال ابن سعد "لا يحتجون به". قلت: بل احتج به الأئمة كلهم، وقال أبو زرعة: "مأمون". ولكن ابن سعد يقلد الواقدي. والواقدي على طريقة أهل المدينة في الانحراف على أهل العراق». وقال المعلمي: «ليس ابن سعد في معرفة الحديث ونقده ومعرفة درجات رجاله، في حد أن يُقبل منه تليين منه ثبّته غيره. على أنه في أكثر كلامه، إنما يتابع شيخه الواقدي. والواقدي تالف». ومع ذلك فأحكامه يغلب عليها الاعتدال. قال الذهبي في "ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل" (172): «تكلم محمد بن سعد الحافظ في كتاب "الطبقات" له بكلام جيد مقبول». أما الألباني فقال عنه (كما في سؤالات أبي الحسن): «فيه شيء من التساهل».

قال ابن الملقن في (المقنع) (2|668): «و "الطبقات الكبير" لابن سعد -كاتب الواقدي- حفيل كثير الفوائد. وهو ثقة، لكن أكثر الرواية فيه عن الضعفاء، منهم شيخه محمد بن عمر الواقدي، لا ينسبه». وقال المعلمي في "التنكيل" (ص255) وذكر تساهل ابن حبان: «والعجلي قريب منه في توثيق المجاهيل من القدماء، وكذلك ابن سعد». وقال الدكتور زياد محمد منصور في مقدمة تحقيقه لتتمة المطبوع من "الطبقات" (ص77): «نجد أن الاعتدال يهيمن على غالبية أقواله، خاصة في التوثيق. أما الرواة الذين جرحهم ووافق فيهم بعض النقاد وخالف البعض الآخر، فقد كان حكمه عليهم أشد -نوعاً ما- من حكم أكثر النقاد. غير أنه خالف الجمهور في حكمه على عدد قليل من الرواة (أي تشدد فيهم)».

وقال خلف سلامة: «ابن سعد قد أكثر من استعمال كلمة "ثقة" (أو كلمة "ثبت") بمعنى كلمة "عدل"». وأعطى عدة أمثلة. فيقول ابن سعد مثلاً: "مؤمل بن إسماعيل ثقة كثير الغلط"، وكثير الغلط هو ضعيف في الحفظ، فالتوثيق هو العدالة فقط. وقوله "كان شريك ثقة، مأمونا، كثير الحديث، وكان يغلط كثيرا". وقوله "وكان أبو بكر ثقة صدوقا عارفا بالحديث والعلم إلا أنه كثير الغلط". وقوله "ثقة وبه ضعف وكان يتشيع". وقوله "وكان ثقة يخطئ في حديثه كثيرا". وقوله "كان شيخا ثقة كثير الغلط". وقوله عن عباد بن عباد "وكان ثقة وربما غلط" وفي موضع آخر عن نفس الرجل "كان معروفا بالطلب حسن الهيئة ولم يكن بالقوي في الحديث".

فالصواب عندي قبول أقواله التي يوافق فيها غيره من النقاد، و رد ما يتفرد به. أما في الرواية فنقبل ما يسنده عن الثقات من الروايات التاريخية (ما لم تعارض أصح منها)، ولا نقبل مراسيله (لكثرة روايته عن الضعفاء)، ونعتبر بما يرويه من الحديث.

ومن الملاحظ أن قوله عن الرجل أنه "معروف" لا تثبت إلا معرفته بعين الرجل. فقد قالها في ثقات وقالها في ضعفاء وقالها في مجاهيل وقالها في كذابين. فيقول عن صلة بن سليمان: "وكان معروفاً" وهو معروف بالكذب. وقال عن أبي جعفر المدائني: "كان معروفاً قليل الحديث" وهو معروف بوضع الحديث. وقد وصف به أقواماً مجاهيل، بل وصف به أقواماً ليست لهم رواية للحديث فقال في ترجمة الوالي زياد بن أبي سفيان: "ولم يكن زياد من القراء ولا الفقهاء، ولكنه كان معروفا". وهناك كتاب "مَنْهَج ابن سَعْد" لمحمد بن أَحمد الأَزْوَرِيْ، توصل فيه لبعض الاستنتاجات الصحيحة مثل:
من سكت عليهم ابن سعد لا يعد ذلك توثيقاً لهم، وإنما سكوته عليهم لعدم توفر معلومات عن أحوالهم.
يسير ابن سعد في إطلاق لفظ مجهول على من يريده من أئمة هذا الشأن، بأنه مجهول العين.
إن لفظ شيخ عند ابن سعد ليس حكماً نقدياً، وكذلك ألفاظ مثل كثير الحديث، قليل الحديث، سمع منه، كتبوا عنه، روي عنه (ص370). وكذلك من سكت عنه (ص362).

 

الواقدي

محمد بن عمر بن واقد من الموالي. ولد بالمدينة ثم اتصل بالبرامكة وانتقل لبغداد إلى أن توفي بها. له علم غزير بالتاريخ الإسلامي والسيرة والحديث والتفسير. واتفق أهل الجرح والتعديل على تكذيبه وطرح كتبه، وعدم الاعتداد بها، لا موافقة ولا مخالفة.

قال الشافعي: «كتب الواقدي كلها كذب». وقال: «كان بالمدينة سبعة رجال يضعون الأسانيد، أحدهم الواقدي».
قال البخاري: «متروك الحديث. تركه أحمد، و ابن نمير، و ابن المبارك، و إسماعيل بن زكريا». وقال: «ما عرفت من حديثه فلا أقنع به»، يقصد لا أعتبر به.
قال أبو داود لابن المبارك: حدثنا عن الواقدي، فأجابه: «سوء».
قال علي بن المديني: «الهيثم بن عدي (مؤرخ كذاب) أوثق عندي من الواقدي، ولا أرضاه في الحديث ولا في الأنساب ولا في شيء». فالواقدي لا يجوز الاعتبار به حتى في مسائل التواريخ وأشباهها. وقال: «الواقدي يضع الحديث». وقال: «عنده عشرون ألف حديث لم يُسمع بها». وقال: «ليس بموضع للرواية، ولا يروى عنه».
قال أحمد بن حنبل: «هو كذاب. كان يقلب الأحاديث. يلقي حديث ابن أخي الزهري على معمر، ونحو ذا».
قال ابن معين: «كان يقلب حديث يونس يجعلها عن معمر. ليس بثقة». وقال: «ليس بشيء. لا يكتب حديثه». وقال: «أغرب الواقدي على رسول الله (
r) عشرين ألف حديث». وقال: «كان الواقدي يضع الحديث وضعاً».
قال مسلم: «متروك الحديث».
قال أبو داود : «لا أكتب حديثه و لا أحدث عنه. ما أشك أنه كان يفتعل الحديث. ليس ننظر للواقدي في كتاب إلا تبين أمره. و روى في فتح اليمن و خبر العنسي أحاديث عن الزهري ليست من حديث الزهري».
قال أبو زرعة الرازي: «متروك الحديث».
قال أبو حاتم الرازي: «وجدنا حديثه عن المدنيين عن شيوخ مجهولين مناكير، قلنا: يحتمل أن تكون تلك الأحاديث منه و يحتمل أن تكون منهم. ثم نظرنا إلى حديثه عن ابن أبي ذئب و معمر فإنه يضبط حديثهم، فوجدناه قد حدث عنهما بالمناكير، فعلمنا أنه منه، فتركنا حديثه». وقال: «كان يضع».
قال النسائي: «الكذابون المعروفون بالكذب على رسول الله (
r) أربعة: ابن أبي يحيى بالمدينة، والواقدي ببغداد، ومقاتل بن سليمان بخراسان، ومحمد بن سعيد بالشام يعرف بالمصلوب». وقال: «ليس هو بموضع للرواية. و إبراهيم بن أبي يحيى كذاب، و هو عندي أحسن حالا من الواقدي».
قال ابن عدي: «ومن يروي عنه الواقدي من الثقات، فتلك الأحاديث غير محفوظة عنهم إلا من رواية الواقدي، والبلاء منه. ومتون أخبار الواقدي أيضا غير محفوظة. وهو بيّن الضعف».
قال العقيلي: «وما لا يتابع عليه الواقدي من حديثه يكثر جدا».

وتكذيب أئمة المسلمين للواقدي زاخر في تراجمه. وأقوالهم هي نتيجة سبر حديثه لا بسبب تقليد، بل تجدهم أحصوا حديثه: حديثاً حديثاً. والعشرة الذين عدّلوا الواقدي ليس فيهم من يبلغ مرتبة من جرحه. وفرق بين من غرّته تقية الواقدي وأعجبه سعة علمه، وبين من سبر حديثه فعرف أن الواقدي يكذب. وهناك أقوال كثيرة لم أذكرها، منها ما قال ابن حبان: «كان يروى عن الثقات المقلوبات وعن الأثبات المعضلات حتى ربما سبق إلى القلب أنه كان المتعمد». وقال إسحاق بن راهويه: «هو عندي ممن يضع الحديث». وقال بندار بن بشار: «ما رأيت أكذب شفتين من الواقدي». وقال الحاكم أبو أحمد : «ذاهب الحديث». أما في القرآن فقد قال الخطيب: «كان الواقدي -مع ما ذكرنا من سعة علمه وكثرة حفظه- لا يحفظ القرآن». وأما في الفقه فقد أنكر عليه الفقهاء نقولاته. قال القاضي عياض في ترتيب المدارك (1|146): «روى عن مالك حديثاً كثيراً، وفقهاً ومسائل، وفي حديثه منقطع كثير وغرائب، وكذلك في مسائله عنه منكرات على مذهبه لا توجد عند غيره».

قال الذهبي: «لا شئ للواقدي في الكتب الستة إلا حديث واحد، عند ابن ماجة (ورواه بإسناد آخر لم يذكر فيه الواقدي): حدثنا ابن أبي شيبة، حدثنا شيخ لنا، فما جسر ابن ماجة أن يفصح به». وقال: «وحسبك بمن لا يجسر أن يسميه ابن ماجه». مع أن ابن ماجه ممن يروي عن متروكين، فما قدر أن يصرح باسم الواقدي مع أن روايته له متابعة. وقال الذهبي في السير (9|469): «لا عبرة بتوثيق من وثقه، كيزيد، وأبي عبيد، والصاغاني، والحربي، ومعن، وتمام عشرة محدثين، إذ قد انعقد الإجماع اليوم على أنه ليس بحجة، وأن حديثه في عداد الواهي». ومن المؤسف أن يستشهد به المتأخرون خلافاً للمتقدمين، الذين صرحوا بأن كتبه كذب لا يُعتبر بها. والسيرة النبوية -ولله الحمد- مروية من طرق صحيحة ليس فيها الواقدي الكذاب. والحمد لله الذي أغنى عباده المتقين عن رواية الخبثاء الكذابين.

قال الشيخ د. خالد كبير علال في كتابه "مدرسة الكذابين في رواية التاريخ الإسلامي و تدوينه": محمد بن عمر الواقدي البغدادي، هو محسوب على أهل السنة لكنني ذكرته مع الكذابين الشيعة، لأنه تبيّن لي أنه كان شيعيا يمارس التقية، يخفي التشيع و يظهر التسنن، و أدلتي على ذلك ثلاثة، أولها إن كثيرا من علماء الحديث قد كذبوه و اتهموه بوضع الحديث و رواية المناكير عن المجهولين. و من هؤلاء العلماء: الشافعي، و أحمد، و البخاري، و مسلم، و النسائي، و أبو داود، و الترمذي –رضي الله عنهم–. و في مقابل هؤلاء وثّقه آخرون كإبراهيم الحربي، و أبي بكر الصاغاني، و مصعب بن عبد الله. و هذا يشير إلى أن الرجل –أي الواقدي – كان يمارس التقية في تعامله مع أهل العلم. فطائفة تبيّن لها كذبه، و أخرى لم يتبين لها ذلك منه.
و الدليل الثاني هو أن الواقدي روى أخبارا شيعية تتفق مع مذهبه، منها أنه روى أن عليا كان من معجزات الرسول –عليه الصلاة و السلام– كما كانت العصا من معجزات موسى –عليه السلام–، و إحياء الموتى من معجزات عيسى –عليه السلام–.
و الدليل الثالث هو أن الشيعي ابن النديم –صاحب الفهرست– كشف لنا أمر الواقدي دون التباس، فقال عنه: كان يتشيع حسن المذهب، يلزم التقية. اهـ.

قلت: الدليل الثاني هو الأقوى والتشيع ظاهر في مرويات الواقدي التاريخية ويظهر فيها الحقد الدفين على الصحابة. والواقدي ليس كأي شيعي، فالشيعة حمقى في الغالب، وقد اشتهروا بذلك حتى قال إمام الكوفة الشعبي: «ما رأيت أحمق من الخشبية. لو كانوا من الطير لكانوا رخما، ولو كانوا من البهائم لكانوا حمرا». لكن الواقدي فيه ذكاء وخبث، فتجده لا يصرح بتشيعه، بل يضع روايات باطنها التشيع تطعن في الروايات السنية. فمثلا يروى عن أبي غطفان قال: سألت بن عباس أرأيت رسول الله توفي ورأسه في حجر أحد؟ قال: توفي وهو لمستند إلى صدر علي. قلت: فإن عروة حدثني عن عائشة أنها قالت توفي رسول الله (r) بين سحري ونحري. فقال ابن عباس: أتعقل؟ والله لتوفي رسول الله (r) وإنه لمستند إلى صدر علي وهو الذي غسله وأخي الفضل بن عباس». ومثل هذا كثير.

 

ابن خزيمة

الملقب بإمام الأئمة لتقدمه في الرد على أهل البدع وفي الجمع بين الأحاديث التي ظاهرها التناقض. وكان فقيهاً ثقةً سلفياً، يمشي في الفقه بين مذهب الشافعي وبين المذهب الظاهري، لكن كان له منهج متساهل في التوثيق. فهو يوثق الكثير من مجاهيل التابعين، كما أنه يصحح أحاديث معلولة، كأنه يمشي على منهج المتأخرين. إلا أنه أقل تساهلاً من تلميذه ابن حبان.

 

الخطيب البغدادي

قال المعلمي (1|281): «الخطيب ثقة مأمون إمام. وذكر ابن السمعاني أنه من نظراء يحيى ين معين، وعلي بن المديني، وأبي خيثمة وطبقتهم، كما ترى في ترجمته في "معجم الأدباء" لياقوت الحموي». وقال مؤتمن الساجي: «ما أخرجت بغداد بعد الدارقطني مثل الخطيب». وقال أبو إسحاق الشيرازي الفقيه: «أبو بكر الخطيب يُشَبّه بالدارقطني ونظرائه في معرفة الحديث وحفظه». وقال محمد خلف سلامة: «من النقاد الذين يتساهلون في إطلاق التوثيق على الرواة –الذين حقهم أن لا يزاد فيهم على كلمة "صدوق"–: الخطيب البغدادي، ومسلمة بن قاسم، وأبي علي الجياني، وابن خلفون، وابن عساكر، والذهبي». وقال محمد عوامة في تعليقه على "كاشف" الذهبي (2|555): «عادة ابن حجر أن ينزل بتوثيق أمثال الخطيب ومسلمة بن قاسم إلى "صدوق"».

قلت: كلام الخطيب في الرواة قليل، لكنه مفيد للغاية عمن كانوا في طبقته ممن ليس فيهم توثيق. وهو شافعي عنده تعصب على الحنابلة رغم سلفيته. أما تعصبه على الحنفية فأشهر من أن يُذكر. وما عدا ذلك فهو معتدل في أحكامه.

 

ابن عبد البر

أبو عمر يوسف بن عبد الله النمري القرطبي المالكي. قال ابن حزم: «"التمهيد" لصاحبنا أبي عمر، لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله أصلاً، فكيف أحسن منه. وكتاب "الاستذكار" -وهو اختصار "التمهيد"-. وله تواليف لا مثل لها في جمع معانيها». وقال الباجي: «أبو عمر أحفظ أهل المغرب». قال الذهبي في "التذكرة" (3|1128) (وكأن الكلام في الأصل للغساني): «وكان ديناً صيناً ثقة حجة صاحب سنة واتباع. وكان أولاً ظاهرياً أثرياً، ثم صار مالكياً مع ميل كثير إلى فقه الشافعي». قال الحميدي: «أبو عمر فقيه حافظ مكثر عالم بالقراءات وبالخلاف وبعلوم الحديث والرجال قديم السماع، يميل في الفقه إلى أقوال الشافعي».

قال عبد الله بن يوسف الجديع في "تحرير علوم الحديث" (1|337): «ابن عبد البر من طبقة الخطيب البغدادي، وهما معدودان في المتأخرين، كلامهما في الرواة المتقدمين مبني على تلخيص عبارات السلف فيهم. نعم، الخطيب فارق ابن عبد البر بإنشاء القول بتعديل الرواة وجرحهم، خصوصاً من طبقة شيوخه. لكن لا يكاد يوجد ذلك لابن عبد البر إلا قليلاً. فإذا كان قول ابن عبد البر في الرواة خلاصة كلام السالفين، فالحجة إذاً عائدة إلى كلامهم». قلت: قد يتفرد ابن عبد البر بأحكام جديدة وقد يوقعه ذلك في الشذوذ مثل تضعيفه "أبان بن صالح"، مخالفاً إطباق واتّفاق الأئمّة على توثيقه.

وابن عبد البر قد نسبه شيخ الإسلام إلى التشيع في منهاج السنة (7|373). وهو واضح لمن قرأ كتبه وبخاصة تراجم بعض الصحابة بكتابه "الاستيعاب". وهذا الكتاب الأخير قد وقعت فيه أوهام كثيرة حتى قال ابن حجر عن ابن عبد البر (كما في الأربعون المتباينة 22): «وجدنا له في "الاستيعاب" أوهاماً كثيرة، تتبع بعضها الحافظ ابن فتحون في مجلدة». أما في الأسماء والصفات فهو سلفي. وهو كذلك متساهل للغاية في نقل الإجماع، فيجب الحذر من نقله الإجماع على توثيق أو تضعيف راوٍ.

 

ابن القطان الفاسي

يؤخذ عليه أنه أحياناً يتشدد في من لم يكن يجد توثيق. وهؤلاء وإن كان غالبهم مجاهيل، لكن أحياناً يكون فيهم توثيق معتبر أو تشهد له قرائن قوية. قال الذهبي: «عَلَّقت من تأليفه كتَابَ "الوَهْمِ والإيهامِ" فوائد تَدُلُّ على قُوَّةِ ذَكائهِ، وسَيَلانِ ذِهْنِهِ، وَبصره بِالعلل، لكنه تعنَّتَ في أماكنَ، ولَيَّنَ هِشَام بن عُرْوةَ، وسُهَيْل بن أبي صالحٍ، ونحوهُما».


عثمان بن أبي شيبة
قال المعلمي (1|231): «وعثمان على قلة كلامه في الرجال يتعنت».

 

العقيلي
قال المعلمي: «قد كان في العقيلي تشدد ما. فينبغي التثبت فيما يقول من عند نفسه في مظان تشدده. فأما روايته فهي مقبولة على كل حال».

 

دحيم
قال الخليلي في "الإرشاد" (1|450): « عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي ويلقب بدحيم، أحد حفاظ الأئمة، متفق عليه، مخرج في (الصحيحين). روى عن أصحاب الأوزاعي وأصحاب مالك، وروى عن ابن عيينة. ويُعتمَد عليه في تعديل شيوخ الشام وجرحهم». والمشكلة في توثيقه أن مرتبة "ثقة" عنده، يعني بها في الغالب أنه عدلٌ معروفٌ بالطلب. وقد لا يكون صاحبها ضابطاً. قال المعلمي في حاشية "الفوائد المجموعة" (ص465): «توثيق دحيم لا يعارض توهين غيره من أئمة النقد. فإن دحيماً ينظر إلى سيرة الرجل، ‏ولا يُمعن النظر في حديثه».

 

ابن يونس المصري
أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى، صاحب تاريخ مصر. (وابنه أبو الحسن علي، من كبار الفلكيين العرب). قال عنه ابن حجر في الإصابة (5|725) وتعجيل المنفعة (1|370): «هو أعلم الناس بالمصريين»، وقال في التهذيب (6|197): «وإليه المرجع في معرفة أهل مصر والمغرب». ومع ذلك يجب التنبه من توثيقه، إذ قال عنه الشيخ محمد خلف سلامة: «وجدته يتساهل في إطلاق التوثيق التام على جماعة ممن حق أحدهم أن لا يزاد فيه على كلمة "صدوق"». ولم أجد أي توثيق في ابن يونس من معاصريه، فكيف يُقبل توثيقه بإطلاق؟ نعم، لا أشك في عدالته وضبطه، لكنه -على علمه الواسع- ليس من كبار النقاد الذين يسبرون أحاديث الرواة، والله أعلم.

 

الطبراني
التزم الطبراني في "المعجم الكبير" باستيعاب مرويات المقلين من الصحابة، لكنه لم يشترط استيعاب حديث المكثرين. وقد أخرج لقرابة 1600 صحابي، حوالي 25 ألف حديث، المطبوع منها 22021. وقد جمع كل ما رُوي دون النظر إلى الصحة أو الضعف. أما في كتابيه "المعجم الأوسط" و"المعجم الصغير" فقد جمع الأحاديث الغرائب التي تفرد رواةٌ بها. فكتابه نظير "مسند" البزّار أو كتاب "الأفراد" للدارقطني. والطبراني إنّما يروي في معجميه الأوسط والصغير الأحاديث الغريبة، حيث أنهما مخصصين لهذا الغرض بالذات. فلا يتسرع الباحث في تصحيح أحاديثهما، إذ أنها غرائب وعامتها معلول. والطبراني قد يروي عن ضعفاء ومتروكين. ومع ذلك فقد نص الهيثمي في مجمع الزوائد (1|8) على توثيق أي شيخ للطبراني لم يُذكر في ميزان الإمام الذهبي: «من كان من مشايخ الطبراني في الميزان نبهت على ضعفه. ومن لم يكن في الميزان، ألحقته بالثقات الذين بعده. والصحابة لا يشترط فيهم أن يخرج لهم أهل الصحيح، فإنهم عدول. وكذاك شيوخ الطبراني الذين ليسوا في الميزان».

وحجة الهيثمي أن الطبراني قد كتب معجميه الأوسط والصغير ليبين الأحاديث الغرائب. فمن المنطقي أن لا يُحدّث إلا عن ثقة. وهذا كلام صحيح، لكن الواقع العملي بخلافه. فقد روى الطبراني عن كذابين فضلاً عن متروكين وضعفاء ومجاهيل. وممن روى عنهم الطبراني في الأوسط:
1- عبد المنعم بن إدريس كذبه أحمد وقال ابن حبان‏:‏ كان يضع الحديث‏.‏
2- الحسين بن عبيد الله العجلي قيل فيه‏:‏ كان يضع الحديث‏.‏
3- زكريا بن يحيى الوقار قال ابن عدي‏:‏ كان يضع الحديث‏.‏
4- موسى بن عبد الرحمن الصنعاني وهو وضاع‏.
5- عمر بن موسى بن وجيه وهو وضاع‏.
6- معلى بن عبد الرحمن وهو وضاع‏.
7- بشر بن إبراهيم وهو وضاع‏.
8- أحمد بن رشدين .
وغيرهم كثير. ولذلك فليحذر الباحث عن توثيق الهيثمي لأسانيد كتب الطبراني.

 

ابن عدي

ابن عدي
 

أحمد بن صالح المصري

كان عارفاً ملماً بحديث الإمام الزهري. لكنه متساهل في التوثيق وفي الحكم على الأحاديث. وقد ذكر الشيخ عبد الله السعد في تقديمه لكتاب "تعليقه على العلل لابن أبي حاتم" لابن عبد الهادي (ص64-66) أمثلة على تساهل أحمد بن صالح المصري، ثم قال: «والأمثلة على تساهل أحمد بن صالح كثيرة».

 

البزار

أبو بكر البزار البصري (أحمد بن عمرو بن عبد الخالق) إمام ناقد، صاحب المسند الكبير المعلل. قال عنه ابن حجر في لسان الميزان (1|237): «صدوق مشهور». قلت: لا شك في صدقه لكن الإشكال في حفظه. وقال أبو أحمد الحاكم: «يخطئ في الإسناد والمتن». وقال الدارقطني: «ثقة، يخطئ ويتكل على حفظه». وقال: «يخطىء في الإسناد والمتن. حدث بالمسند بمصر حفظاً، ينظر في كتب الناس ويحدث من حفظه، ولم تكن معه كتب، فأخطأ في أحاديث كثيرة. يتكلمون فيه. جرحه أبو عبد الرحمان النسائي». وقال عنه أبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان (3|386): «كان أحد حفاظ الدنيا رأسا فيه». ثم قال: «وما يتفرد به كثير» (يقصد ما يخطئ به).

ولهذا فله بعض الأوهام في الأحاديث التي يرويها. وأرجو أن تكون روايته للمسند المطبوع في غير مصر. وقد عرف عنه ميله لتوثيق المجهول الذي يروي عنه ثقتان فأكثر. قال مقبل الوادعي في "المقترح": «أما البزار فقد عرف تساهله». وقال فيه (ص104): «ثم إنه قد عرف تساهل البزار في التوثيق، وكذا في التصحيح». وقال عنه الألباني (كما في سؤالات أبي الحسن): «متساهل في توثيقه». وهو بعد ذلك يستعمل لغة رخوة في التجريح. قال خلف سلامة عن البزار: «يستعمل في نقد الرواة كلمة "ليس بالحافظ" أو "لم يكن بالحافظ"، ويريد بهما ضعف الراوي. ويستعمل لفظة "لين الحديث" ونحوها، للتجريح مطلقاً، حتى إنه ليصف بها أحياناً بعض المتروكين المطَّرحين. وربما استعملها في بعض الوضاعين. فهذا شأنه في ألفاظ النقد، يستعمل في التعبير عن الهلكى والتالفين أخف ألفاظ التجريح أو التليين».

 

ابن السكن

هو الحافظ الحجة أبو علي سعيد بن عثمان بن سعيد بن السكن البغدادي ، نزيل مصر. له كتاب يسمى "الصحيح المنتقى" لم يصلنا منه إلا جزء صغير، وهو غير مطبوع. قال الشيخ عبد الله السعد في مقدمته لكتاب "تعليقة ابن عبد الهادي على علل ابن أبي حاتم" بتحقيق سامي الجاد الله (ص83): «ابن السكن عنده تساهل واضح، يعرف هذا من تتبَّع تصحيحاته. فقد صحَّح أحاديث باطلة ومعلولة، وصحَّح لبعض المتروكين. ومن الأحاديث التي تساهل ابن السكن في تصحيحها...». ثم ضرب اثنا عشر مثالاً أذكر اثنتين منها باختصار:

1-حديث أبي سعيد في الفطر إجابة لدعوة الطعام وقضاء يوم مكانه. صححه ابن السكن، وفي إسناده محمد بن أبي حميد وهو متروك أو واهي الحديث.

2- حديث ابن مسعود: "أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة لأول وقتها". ولفظة "لأول وقتها" لا تصح، إذ الحديث معل بالاضطراب، وفيه مجاهيل!

ثم أحال في الهامش إلى مصادر بها مزيد أمثلة لما ذكره. ثم قال: «تبيَّن مما سبق تساهل ابن السكن في تصحيح الأحاديث السابقة. فكلها لا تصحُّ، وأكثر الحفاظ على تضعيفها، وفي بعضها من هو متروك. والقول بتساهل ابن السكن ليس معناه عدم الاستفادة من تصحيحه والاستئناس بذلك. لا. وإنما المقصود بيان تساهله في بعض تصحيحاته». قال حفظه الله (ص|97): «وتصحيح أبي عيسى الترمذي أقوى منه (يعني: ابن السكن) بكثير. وتقدَّم بعض الأحاديث التي ضعَّفها أبو عيسى بينما صحَّحها ابن السكن».

 

ابن شاهين

قال محمد بن عمر الداودي: «كان ابن شاهين شيخاً ثقة يشبه الشيوخ، إلا أنه كان لحاناً. وكان أيضاً لا يعرف من الفقه، لا قليلاً ولا كثيراً». وقال عنه الدارقطني: «يلح على الخطأ، وهو ثقة». وقال عنه الذهبي: «ما كان الرجل بالبارع في غوامض الصنعة، ولكنه راوية الإسلام». وقال خلف سلامة: «ابن شاهين لا يخلو من الخطأ فيما ينقله عن غيره من أئمة الجرح والتعديل، نعم كل ثقة قد يهم، ولكن أوهام ابن شاهين أكثر من أوهام غيره من الثقات فهو غير متقن. وهو لا يراجع ما يكتبه».

قال الدكتور سعدي الهاشمي في رسالة "نصوص ساقطة من طبعات أسماء الثقات لابن شاهين" (ص14): «إن الدارس الفاحص لكتابه، يجده من النقاد الذين يتسامحون في توثيق الرجال. فنجده في الرواة الذين يتسامحون في توثيق الرجال. فنجده في الرواة الذين أوردهم في كتابه "الثقات"، يختار في توثيقهم أقوال من تساهل في أمرهم. ولتوضيح ذلك أقول: قد تردد في راو من الرواة المذكورين، أقوال عديدة للنقاد، بعضهم متشدد في أمره وبعضهم معتدل والبعض الآخر متساهل. وقد يكون واحد من الأئمة النقاد هو الذي وثقهم، بينما الجمع من الأئمة قد جرحوه، فنجد ابن شاهين يختار قول المتساهل الذي وثقه، ويعتمده! و أحياناً ترد عن بعض الأئمة كيحيى بن معين ثلاثة أقوال في أحد الرواة، بعضها تجرحه وبعضها تعدله. فنجد أن ابن شاهين يعتمد القول بتوثيق ذلك الراوي، ويهمل الأقوال الأخرى. ومن خلال قائمتين الأولى تضم (27) راوياً، والثانية تضم (15) يتضح في بيان تساهل ابن شاهين رحمه الله».

وذكر (ص15-18): الرواة الضعفاء الذين عدلهم أو تسامح في أمرهم بعض النقاد واعتد قولهم ابن شاهين. وقد ذكر (27) راوياً.  وذكر (ص19-21): الراوة الذين اختلفت فيهم أقوال يحيى بن معين، فاختار ابن شاهين القول الذي فيه تعديلهم. وذكر (15) راوياً. وممن نسب ابن شاهين إلى التساهل في التوثيق كذلك: مقبل الوادعي في "المقترح" (ص64) والحويني في "غوث المكدود" (3|284).

ولابن شاهين كتاب "ذكر من اختلف العلماء ونقاد الحديث فيه" يقول محققه عبد الباري بن حماد الأنصاري (ص17): «تتضح أهمية الكتاب من خلال عدة أمور هي:
1- كون هذا الكتاب أقدم كتاب ألف في الرواة المختلف فيهم، حسب علمي.
2- وجود نصوص كثيرة في الجرح والتعديل استقاها ابن شاهين من كتب تعد الآن مفقودة، ولا نجد بعض تلك النصوص في المصادر التي بين أيدينا.
3- وجود كثير من ضوابط الجرح والتعديل القيمة في كلام ابن شاهين عند بيانه للراجح من حال صاحب الترجمة». ثم ذكر خمسة عشر ضابطاً.

وقال (ص21): «وأما منهجه من حيث التشدد والتساهل في الحكم على الرجال، فيظهر من أحكامه أنه قد يقع له التساهل في الحكم على بعض الرواة. فيحكم بكونهم أقرب إلى التعديل أو الثقة، وهم ضعفاء... كما أنه توقف في الحكم على بعض الرواة الضعفاء الذين حكم أغلب الأئمة بضعفهم... وقد يهم في تراجم بعض الرواة، فيظن الرجلين المشتركين في الاسم شخصاً واحداً، والحقيقة خلاف ذلك». وقد حققه كذلك طارق بن عوض الله وقال (ص9): «ومن له خبرة بكتب ابن شاهين يعلم صحة ما عابوه عليه لما يجد في كتبه من خطأ في النقل أحيانا، أو التخليط بين الراويين المتفقين في الاسم، ونحو ذلك مما يعتري المكثر، لاسيما إذا لم يعارض ما كتبه على الأصول كابن شاهين».

 

محمد بن عبد الله بن نمير

كان من أعلم الناس بأهل الكوفة، وفيه تثبت واعتدال. قال المعلمي في تعليقه على "موضح أوهام الجمع والتفريق" (2|426): «ابن نمير ثبت متقن فاضل. إليه المنتهى في معرفة شيوخ الكوفيين، حتى كان أحمد بن حنبل ويحيى بن معين يقولان فيهم ما يقوله». وكان يستعمل ألفاظاً خفيفة في الجرح، على طريقة البخاري والترمذي وابن المبارك. وكان ينتقد إفراط مالك في جرح العراقيين. قال ابن محرز في (معرفة الرجال): أن ابن نمير قال: «ما أحد قاسٍ قوله في الرجال غير مالك بن أنس».

 

يعقوب بن سفيان

صاحب كتاب "التاريخ والمعرفة". لديه تساهل في توثيق بعض المستورين من التابعين.

 

الضياء صاحب "المختارة"
قال أحمد الغماري في "الأمالي المستظرفة على الرسالة المستطرفة": «في كتاب "المختارة" للضياء: أحاديث موضوعة ومنكرة و واهية. وهي كثيرة جداً، لعلها تبلغ خمسه بل ربعه».

 

الجوزقاني
هو أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم الجوزقاني الهمذاني (ت543هـ) مؤلف كتاب "الأباطيل" وهو أول كتاب في الموضوعات. اتهم بالتشدد في كتابه السابق، ولا يصح ذلك. وقد أبدع الجوزقاني في مسألة نقد المتون بإيراد الحديث الصحيح الذي يعارض الضعيف.

 

 العجلي
منهج العجلي

 

ابن منده

يذهب د. عمر المقبل في رسالته عن منهج ابن منده إلى أنه يمكن عده متوسطاً في نقد الرجال، إلا أنه متساهل في تصحيح الأحاديث.

 

الشافعي

قال سليمان بن الربيع: «إذا قال الشافعي: "حدثني من لا أتهم"، فيريد: إبراهيم بن أبي يحيى». قلت: وإبراهيم هذا قال عنه الإمام أحمد: «جهمي قدري، كل بلاء فيه»، وقال ابن معين: «رافضي كذاب».