توثيق أبو يوسف صاحب أبي حنيفة

 

قال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء (8\535): «هو الإمام المجتهد العلامة المحدث قاضي القضاة أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم». وقال إبراهيم بن أبي داود البرلسي: سمعت ابن معين يقول: «ما رأيت في أصحاب الرأي أثبت في الحديث ولا أحفظ ولا أصح رواية من أبي يوسف». وقال أحمد بن حنبل: «أول ما كتبت الحديث، اختلفتُ إلى أبي يوسف. وكان أميَلَ إلى المحدِّثين من أبي حنيفة ومحمد». وكان أحمد بن حنبل كذلك يحفظ كتب أبي يوسف ومحمد بن الحسن عن ظهر قلب. وفي سير أعلام النبلاء (11\306): قال ابنه عبد الله: «كتب أبي عن أبي يوسف ومحمد الكتب، وكان يحفظها. فقال لي مهنى: كنت اسأله، فيقول: "ليس ذا في كتبهم". فأرجع إليهم، فيقولون: "صاحبك أعلم منا بالكتب"».

 

وقال ابن معين: «أبو يوسف: صاحب الحديث، صاحب سنة». وروى الدوري (4\474) عن ابن معين عن أحمد قوله: «اختلفت إلى أبي يوسف، ثم اختلفت إلى الناس بعد». وقد درس ابن معين الفقه على أبي يوسف، وبقي له محباً، حتى أن الذهبي بالغ فجعل ابن معين من الحنفية الغلاة. وقد حدث خلاف وتنافس بين أبي يوسف ومحمد بن الحسن على زعامة الأحناف، فهذا سبب حمل ابن معين الشديد على محمد.
 

روى الذهبي في تذكرة الحفاظ (1\293): أن يحيى بن معين قال: «ليس في أصحاب الرأي أكثر حديثاً ولا أثبت من أبي يوسف».  وقال علي بن الجعد سمعت أبا يوسف يقول: «من قال "إيماني كإيمان جبريل" فهو صاحب بدعة». وقال المزني (صاحب الشافعي): «أبو يوسف أتبَعُ القوم للحديث». وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (8\537): قال أحمد (بن حنبل): «كان أبو يوسف مُنصِفاً في الحديث».

 

وابن حبان رغم تعصبه ضد الأحناف تجده يقول عن أبي يوسف في كتابه "مشاهير علماء الأمصار" (ص171): «من الفقهاء المتقنين». وقال عنه في "الثقات" (7\645): «وكان شيخاً مُتقِناً». واعترف بأنه سلفي العقيدة، ثم قال: حدثني الحسن بن محمد، حدثنا إسحاق بن إبراهيم القاص، ثنا قتيبة بن سعيد، قال: سمعت أبا يوسف يقول: «الإيمان قولٌ وعملٌ يزيد وينقص». وقال ابن عدي: «لا بأس به». وقال النسائي في طبقات الحنفية: «وأبو يوسف ثقة».

 

فهؤلاء على كراهيتهم الشديدة للأحناف وثقوه، وهو من إنصافهم. ولو لم يكن ثبتاً لطعنوا فيه فوراً، لما بينهم وبين الأحناف. ومع إقرار أحمد بعلم أبي يوسف وقوة حفظه للحديث، فإنه قليل الرواية عنه. كما أنه إذا روى عن أبي حنيفة، دلس اسم أبي حنيفة وجعله "أبا فلان"! بل إنه قال لإبنه كما في الجرح والتعديل عن أبي يوسف: «صدوق، ولكن من أصحاب أبي حنيفة، لا ينبغي أن يُروى عنه شيء!».

 

فهذا يظهر لك شدة حمل الحنابلة على الأحناف. فهم يروون عن غلاة الشيعة ورؤوس المرجئة ودعاة الخوارج والكثير من القدرية، لكنهم يمتنعون عن الرواية عن الأحناف. مع أن أبا يوسف كان ثقةً فقيهاً سلفي العقيدة، وكان يقول: «الإيمان قولٌ وعملٌ، يزيد وينقص». ومن المؤسف أن يظل البعض اليوم على هذا المنوال.

 

قال محمد بن جرير الطبري: «وتحامى حديثه قوم من أهل الحديث من أجل: غلبة الرأي عليه، وتفريعه الفروع والأحكام، مع صحبة السلطان، وتقلّده القضاء». قال ابن عبد البرّ: «كان أبو يوسف قاضي القضاة، قضى لثلاثة من الخلفاء، ولّيَ القضاء في بعض أيام المهدي ثم للهادي ثم للرشيد. وكان الرشيد يكرمه ويجلّه، وكان عنده حظياً مكيناً. لذلك كانت له اليد الطولى في نشر ذكر أبي حنيفة وإعلاء شأنه لما أوتي من قوة السلطان، وسلطان القوة».

 


زفر بن الهذيل

 

كان زفر بن الهذيل (ت158هـ) من أصحاب أبي حنيفة الثقات، وكان معروفاً بإنصافه وسرعة رجوعه إلى الحق.
قال ابن حبان في "الثقات" (7\646): «لسنا ممن يوهم الرعاع ما
لا يستحله، ولا ممن يحيف بالقدح في إنسان، وإن كان لنا مخالفاً. بل نُعطي كل شيخٍ حظه مما كان فيه. ونقول في كل إنسان ما كان يستحقه من العدالة والجرح. أدخلنا زفراً وأبا يوسف بين الثقات، لما تبين عندنا من عدالتهما في الأخبار. وأدخلنا من لا يشبههما في الضعفاء، مما صح عندنا مما لا يجوز الاحتجاج به».

جاء في تاريخ ابن معين (رواية الدوري) (3\503): سمعت يحيى يقول: «زفر صاحب الرأي ثقة مأمون». وقال أبو نعيم (الفضل بن دكين، وهو متشدد): «زفر ثقة مأمون»، نقله ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل.

قال ابن حبان في "مشاهير علماء الأمصار" (ص170): «زفر بن الهذيل القياس أبو الهذيل: من متورعة الفقهاء، لم يسلك سبيل صاحبيه (أبي حنيفة ومحمد بن الحسن) في الروايات (أي في الإفراط في التأويل). وكان إذا لاح له الحق، يرجع إليه من غير أن يتمادى في باطله».