ضعف حديث: الخلافة ثلاثون سنة

حديث سعيد عن سفينة: «الخلافة بعدي في أمتي ثلاثون سنة ثم ملك بعد ذلك». وقد جاء بعدة ألفاظ بسبب اضطراب سعيد منها: «خلافة النبوة ثلاثون سنةً، ثم يؤتي اللَّهُ الملكَ من يشاء، أو ملكه من يشاء». ومنها «الْخِلاَفَةُ ثَلاتُونَ سَنَةً، وَسَائِرُهُمْ مُلُوكٌ». وهناك زيادة: «قال سعيد: فقلت له: إن بني أمية يزعمون أن الخلافة فيهم؟ قال: كذبوا بنو الزرقاء، بل هم ملوك من شر الملوك».

والحديث صححه أحمد وغيره، لكن الصواب أن الحديث لم يصح. ومدار الحديث على سعيد بن جهمان، وهو ضعيف عند أكثر العلماء. وسفينة لا تصح صحبته كما سيأتي.

التعديل:
وثقه أحمد وابن معين وابن حبان.
وقال النسائي: لا بأس به.
وقال أبو داود: هو ثقة إن شاء الله، وقوم يضعفونه، إنما يخاف ممن فوقه ـو سمّى رجلا، يعني: سفينةـ قلت: وهذه ملاحظة مهمة أن أبا داود يضعف الحديث ويطعن بصحبة سفينة.

الجرح:
و قال أبو حاتم: شيخ. يكتب حديثه، ولا يحتج به.
و قال أبو أحمد بن عدى: روى عن سفينة أحاديث لا يرويها غيره، و أرجو أنه لا بأس به، فإن حديثه أقل من ذلك.
و قال البخاري: في حديثه عجائب.
و قال الساجي: لا يتابع على حديثه.
ونقل ابن المديني عن يحيى بن سعيد تضعيف سعيد بن جمهان.
والترمذي قال عن حديثه: حسن لا نعرفه إلا من حديث سعيد، وهذا جرح.

أقول: والواضح أن الجرح المفسّر مقدم على التوثيق خاصة مع وجود تفرد واضح بأصل عظيم. وأيضا لا دليل على وثاقته فهو قليل الأحاديث ومع هذا تفرد بأحاديث منكرة. وطريقة أن تعرف أن الراوي يحفظ هو أن تقارن أحاديثه بأحاديث غيره وهو غير ممكن هنا لأن أحاديثه لم يروها غيره. بل نجده يروي الحديث أكثر من مرة وكل مرة بلفظ مختلف مما يدل على أنه لا يحفظ وأن البلاء منه.

ننتقل لسفينة فهو مولى فارسي، اسمه مجهول (يوجد حوالي 30 اسم منسوب له) ادعى أنه كان خادم النبي ﷺ. وليس من دليل على صحبته إلا ادعاءه هذا. ولو كان خادم النبي ﷺ لكان له ذكر بين الصحابة، فأينهم عنه؟ بل حتى فضائله هو اخترعها بصيغة خرافية كعادة الفرس. فلا يعلم أن أحدا من الصحابة وعلماء التابعين قد التقى به وإنما التقى به أغمار من الناس. وعلى قلتهم وجدنا أن من لقيه يطعن به ويصفه بأنه شيخ خرف، فقال أبو ريحانة عن سفينة هذا: وقد كان كبر، وما كنت أثق بحديثه.

قيل لسعيد: أين لقيت سفينة؟ قال: لقيته ببطن نخلة في زمن الحجاج، فأقمت عنده ثمان ليال أسأله عن أحاديث رسول الله ﷺ، قال: قلت له: ما اسمك؟ قال: ما أنا بمخبرك، سماني رسول الله ﷺ سفينة. قلت: ولم سماك سفينة؟ قال: خرج رسول الله ﷺ ومعه أصحابه، فثقل عليهم متاعهم، فقال لي: «ابسط كساءك» فبسطته، فجعلوا فيه متاعهم، ثم حملوه علي، فقال لي رسول الله ﷺ: «احمل، فإنما أنت سفينة» فلو حملت يومئذ، وقر بعير أو بعيرين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة أو سبعة ما ثقل علي إلا أن تجفو.

وقد كانت له أحاديث منكرة مثل ما رواه سعيد بن جمهان، عن سفينة مولى رسول الله ﷺ، قال: لما بنى رسول الله ﷺ المسجد جاء أبو بكر رضي الله عنه بحجر فوضعه، ثم جاء عمر بحجر فوضعه، ثم جاء عثمان بحجر فوضعه، فقال رسول الله ﷺ: «هؤلاء ولاة الأمر من بعدي هذا». وهذا كذب إذ لو صح هذا لما اختلف أحد من الصحابة في بني ساعدة ولا أسند عمر الشورى بعده للستة.

وهناك أحاديث تشير لتشيعه مثل قوله: أهدي لرسول الله ﷺ طواير فصنعت له بعضها، فلما أصبح أتيته به فقال: «من أين لك هذا؟» فقلت: من الذي أتيت به أمس، قال: «ألم أقل لك لا تدخرن لغد طعاما لكل يوم رزقه؟» ثم، قال: «اللهم أدخل علي أحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير» فدخل علي، فقال: «اللهم وإلي».

وهناك قصص يروها الكذب ظاهر جدا بها. مثل قوله: «ركبت البحر في سفينة، فانكسرت فركبت لوحا منها، فطرحتني في لجة (ماء كثير تصطخب أمواجُه) فيها الأسد، فقلت: يا أبا الحارث (لقب الأسد)، أنا سفينة مولى رسول الله ﷺ قال: فطأطأ رأسه، وجعل يدفعني بجنبه أو بكتفه حتى وضعني على الطريق (هههه)، فلما وضعني على الطريق همهم، فظننت أنه يودعني».

ولذلك اعترض الترمذي على حديثه في الخلافة فقال: «وفي الباب عن عمر، وعلي قالا: لم يعهد النبي ﷺ في الخلافة شيئا». ثم قال الترمذي «وهذا حديث حسن قد رواه غير واحد عن سعيد بن جمهان ولا نعرفه إلا من حديثه». فهذا حديث منكر لم يروه إلا سعيد (فيه ضعف) عن المولى الفارسي المدعي الصحبة. ولو كان صحيحا لانتشر بين الصحابة مع كل نزاع حول الخلافة.

وهناك حديث طويل للطبيب الدليمي يرجى مراجعته:

https://www.youtube.com/embed/t3JpCVgKDRA&t=982s

ومن الأخطاء التي ارتكبها من وضع الحديث أنه لم يكن يحسن علم الحساب. قال سفينة: «أمسك أبو بكر سنتين، وعمر عشرا، وعثمان اثنتي عشرة، وعلي ستا». قال الذهبي: «كذا قال في علي ستا، وإنما كانت خلافة علي خمس سنين إلا شهرين». قلت: صدق الذهبي. وفاة النبي ﷺ كانت في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة، أي شهر 3 سنة 11، بينما مقتل علي شهر 9 سنة 40، وصلح الحسن عام إحدى وأربعين في شهر جمادى الأولى أي سنة 41 شهر 3 أو 5. فتبين دخول خلافة معاوية في تلك المدة، وهذا ما ذكره المؤرخ ابن خلدون إذ قال:
«كان ينبغي أن تلحق دولة معاوية وأخباره بدول الخلفاء وأخبارهم فهو تاليهم في الفضل والعدالة والصحبة. ولا ينظر في ذلك إلى حديث "الخلافة بعدي ثلاثون سنة" فإنه لم يصحّ، والحق أنّ معاوية في عداد الخلفاء. وحاشى الله أن يشبّه معاوية بأحد ممّن بعده، فهو من الخلفاء الراشدين، ومن كان تلوه في الدين والفضل من الخلفاء المروانية ممن تلاه في المرتبة كذلك. واعلم أنّ الملك الّذي يخالف -بل ينافي- الخلافة هو الجبروتيّة المعبر عنها بالكسرويّة التي أنكرها عمر على معاوية حين رأى ظواهرها. وأما الملك الّذي هو الغلبة والقهر بالعصبية والشوكة، فلا ينافي الخلافة ولا النبوّة. فقد كان سليمان بن داود وأبوه صلوات الله عليهما نبيّين وملكين، وكانا على غاية الاستقامة في دنياهما وعلى طاعة ربّهما عزّ وجل».

بقي أن نضيف لماذا احتد الإمام أحمد في هذا الحديث؟ الجواب أنه ظهر في عصره من أنكر خلافة علي من أصلها بحجة أن الناس قد اختلفوا عليه، فغضب الإمام على من قال هذا واحتد بل حتى نهى عن مناكحته! ولما أراد أن يحتج بأثر عليهم لم يجد إلا هذا، فقوي في نفسه هذا الأثر. وهو أمر طبيعي للبشر. لكن لسنا ملزمين بمتابعته. وهذا واضح في جوابه للمروذي لما سأله: ما تقول في سعيد بن جمهان؟ فقال: «ثقة، روى عنه العوام بن حوشب، وروى عنه حماد»، وأراه ذكر عبد الوارث وغيره. أقول: مجرد رواية أربعة عنه لا يعني توثيقه، ولذلك كانت حجة من جرح سعيد أقوى، فإن حديثه مضطرب مما يدل على أنه لم يكن يحفظ.

قال المروذي: يروى عن يحيى القطان، أنه سئل عنه، فلم يرضه. فقال أبو عبد الله: «باطل»، وغضب. وقال: «ما قال هذا أحد غير علي بن المديني، ما سمعت يحيى يتكلم فيه بشيء».  والسؤال هل ابن المديني كذاب؟ أكيد لا بل هو أعلم من الإمام أحمد بعلل الحديث وأحفظ منه. فماذا إذا أحمد لم يسمع من يحيى شيء وسمعه من ابن المديني؟ أكيد المثبت مقدم على النافي. والمسألة لا تستحق الغضب لولا وجود شيء عاطفي حول هذا الحديث نفسه.

الخلاصة:

لدينا راو فارسي لم تثبت صحبة له إلا بادعاءه ويروي عنه شيخ قليل الحديث أكثر أهل الحديث على تضعيفه. وإذا أبعدنا العاطفة فالحديث ضعيف بلا ريب.


فائدة: لم يثبت أي حديث في تحديد الخلافة الراشدة، أي لا يوجد شيء اسمه خلافة راشدة وخلافة غير راشدة.

حديث: تدور رحى الإسلام بعد خمس وثلاثين

«تَدُورُ رَحَى الْإِسْلَامِ لِخَمْسٍ وَثَلاثِينَ أَوْ سِتٍّ وَثَلاثِينَ أَوْ سَبْعٍ وَثَلاثِينَ فَإِنْ يَهْلِكُوا فَسَبِيلُ مَنْ هَلَكَ وَإِنْ يَقُمْ لَهُمْ دِينُهُمْ يَقُمْ لَهُمْ سَبْعِينَ عَامًا». قُلْتُ: أَمِمَّا بَقِيَ أَوْ مِمَّا مَضَى؟ قَالَ: «مِمَّا مضى».

ابتداء خلافة علي في ذي الحجة سنة 35 فهذا ما قصده من وضع هذا الحديث. أي قصد من تاريخ الهجرة علما أن المسلمين لم يكونوا يؤرخون من تاريخ الهجرة إلا منذ عهد عمر بن الخطاب. ولو صح الحديث لعارض حديث سفينة لأن هذا الحديث يخرج عليا من الخلافة ويجعلها إلى تاريخ 35 هـ. ثم ما معنى تحديد أن الدين سيقام لسبعين سنة وكأن ظاهر الحديث أن الدين سينقض بعدها؟ هل انتقض الدين عند بيعة هشام بن عبد الملك؟ أم شهد الإسلام أكبر دولة إسلامية إلى اليوم؟ المشكلة هي العاطفة الزائدة وعدم التفكير بهذه الأسئلة البديهية.

وقد يعترض  البعض على نكارة تحديد التاريخ بما ورد لأبي هريرة أنه كان يتعوذ من رأس الستين. قال الطبراني: «لم يرو هذا الحديث عن علي بن زيد إلا حماد تفرد به روح» أي بن عبادة. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4|232): «رواه الطبراني في الأوسط وفيه القاسم بن محمد الدلال وهو ضعيف». وإنما يصحّ منه إستعاذة أبي هريرة من إمرة الصبيان فقط. ففي صحيح الأدب المفرد (47) عن سعيد بن سمعان قال: سمعت أبا هريرة يتعوذ من إمارة الصبيان والسفهاء. ثم ما المراد برأس الستين؟ هل المراد سنة ستين من الهجرة؟ إذا فهل التاريخ الهجري اشتهر في عهد النبي ؟ فالحديث منكر المتن ضعيف السند.

خلافة على منهج النبوة

روى أحمد حدثنا سليمان بن داود الطيالسي (والحديث في مسنده 439)، حدثني داود بن إبراهيم الواسطي، حدثني حبيب بن سالم، عن النعمان بن بشير، عن حذيفة مرفوعا: «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًا فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت». قال يزيد بن النعمان: أرجو أن يكون عمر بن عبد العزيز بعد الملك العاض والجبرية.

قال البزار: «هذا الحديث لا نعلم أحدا قال فيه: النعمان عن حذيفة إلا إبراهيم بن داود»، يقصد داود بن إبراهيم الواسطي. وليس فيه إلا توثيق الطيالسي، والطيالسي هو من الرواة وليس من أئمة الجرح والتعديل. ومن الوارد أن الواسطي هو داود بن إبراهيم قاضي قزوين المعروف بالكذب، كما ذهب إلى هذا ابن الجوزي، إذ أن كلاهما مذكور أنه يروي عن شعبة. وقد روي الحديث عن كعب الأحبار، وأخشى أن يكون هو أصل الحديث، والله أعلم.

حديث: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي سبق بيان ضعفه.