حوار هادئ بين هزاع وأحمد حول إثبات رؤية الهلال

 

قال هزاع: كيف ومتى تراقب هلال رمضان؟

قال أحمد: الهلال يراقب مباشرة بـعـد غروب الشمس. وفي أول يوم من الشهر الجديد يبقى الهلال إلى 40 دقيقة ثم يغرب. فإن لم تره إلى 40 دقيقة، فلا داعي للبقاء أكثر. الهلال إن كان عن يمين الشمس فهو هلال آخر الشهر. وإذا كان الهلال عن يسار الشمس فهو هلال الشهر الجديد. الهلال دائماً يكون ظهره إلى الشمس. بالنسبة لعلو الهلال عن الأفق: تخيل بيدك رمح طوله يساوي طولك + شبر أو شبرين، فإذا مددت يدك ممسكا بالرمح، فيكون علو الهلال علو رأس الرمح الذي أمامك. بعد الهلال عن الشمس: تقريبا ثلاثة أشبار على يسار الشمس. نعم يبدو الهلال دقيقاً رفيعاً، لكنك إن رأيت الهلال حقيقة تجزم أنه الهلال، وإن رأيت شيئاً فشككت به، فليس ذلك بهلال. وهذه معلومات تقريبية مساعدة، ذكرت فيها المسافة بالأشبار وما شابه ذلك تبسيطاً، وإلا فالأصل أن يذكر كل ذلك بالدرجة.

 

هزاع: هل هناك تفاصيل أخرى؟

أحمد: توجد بعض الحقائق المتفق عليها مثل:

 

هزاع: أنتم تخالفون أمر النبي r «صوموا لرؤيته»، وتثبتون الرؤية بالحساب.

أحمد: لا يا أخي، نحن لا نثبت الرؤية بالحساب بل بالرؤية بالعين المجردة، وإنما إذا كانت الحسابات الفلكية العلمية تثبت بشكل قطعي استحالة رؤية الهلال، كان ذلك دليلاً على خطأ مدعي الرؤية. وقد علّل هذا الفقيه الشافعي تقي الدين السبكي (ت 756هـ) فقال: «لأن الحساب قطعي، والشهادة والخبر ظنيان. والظني لا يعارض القطعي، فضلاً عن أن يقدم عليه». فهذا من باب قبول الشهادة فحسب. فذكر هذا الحديث أجنبي عن المسألة، لأننا موافقون على أن الصيام للرؤية لا للحساب. لكن الرؤية هنا هي الرؤية الصحيحة الصادقة. فاعتراضنا هو الشهادة لا على أصل أن الصيام للرؤية لا بالحساب.

 

هزاع: هل يجوز للقاضي أن يرد شهادة رجل مسلم؟

أحمد: نعم، من شأن القاضي أن ينظر في شهادة الشاهد عنده، في أي قضـية من القضـايا. فإن رأي الحـس أو العـيان يكذبها، ردهـا ولا كـرامة. وقد تعرض فقهاء السلف لهذه القضية. ففي تبصرة الحكام لابن فرحون اليعمري: «قال أصحابنا: إذا شهد شاهدان في الصَّحْوِ في المِصر الكبير على هلال رمضان ولم يَرَهُ غيرُهما، قال سَحْنونٌ: هما شاهِدا سوءٍ، فإذا قُبِلا فعُدّ ثلاثون يوماً ولم يُرَ الهلالُ والسّماء مُصْحِيَةٌ، قال مالكٌ: هما شاهِدا سوءٍ، لأنّ ذلك قرينةٌ ظاهرةٌ في كذِبهما». قال السبكي في فتاواه (1|219): «والبينـة شـرطها أن يكون ما شهدت به ممكنا حساً وعقلاً وشرعاً. فإذا فرض دلالة الحساب قطعاً على عدم الإمكان، اسـتحال القول شرعاً، لاسـتحالة المشــهود به. والشرع لا يأتي بالمســتحيلات. أما شهادة الشهود، فتُحمل على الوهم أو الغلط أو الكذب».

 

هزاع: فهلا أعطيتني ولو مثالاً واحداً في التاريخ على رد قاضي مسلم لشهادة من رأى الهلال؟

أحمد: جاء في رحلة ابن جبير: أنه لما كان ليلة التاسع والعشرين من ذي القعدة (سنة 578هـ)، حيث انتظار هلال ذي الحجة، فكان طائفة من الحجاج المغاربة والمصريين يريدون أن يكون الوقوف على جبل عرفات يوم جمعة، لما لهذا اليوم من بركة واسعة، فادعوا أنهم شاهدوا هلال ذي الحجة في التاسع والعشرين من ذي القعدة، غير أن قاضي مكة ردهم قائلا: «يا للعجب! لو أن أحدهم يشهد برؤيته الشمس تحت الغيم الكثيف لما قبلته. فكيف برؤية هلال هو ابن تسع وعشرين ليلة؟!». وهذه الحادثة حدثت أيام صلاح الدين الأيوبي.

 

هزاع: وهل من الممكن أصلاً حساب وقت ظهور الهلال؟

أحمد: نعم، وبنص القرآن. قال الله تعالى: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (40) سورة يــس. ويعني التقدير والمنازل الدقةَ الفائقة التي لا تتخلف. وإذا كانت المنازل مقدرة بدقة فمن الممكن أن يتتبعها الإنسان ويحسبها بقدر ما يستطيع من الدقة. فهذا دليلٌ على أن القمر يمشي في مسار ثابت. وهو ممكن حسابه بدليل قوله عز وجل: {فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} (96) سورة الأنعام. وقوله كذلك: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (5) سورة يونس. ثم جعل القمر دليلاً على المواقيت: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ...} (189) سورة البقرة.

 

هزاع: لا ينبغ أن يختلف مسلمان على أن القمر يسبح في فلك ثابت لا يحيد عنه، وأن هذا يمكن حسابه. لكن أين الدليل على أن حسابات الفلكيين صحيحة ونحن نجد بينهم اختلافات؟

أحمد: من كان عنده شك في صحة حسابات الفلكيين فليسأل أهل المراصد كلهم –المسلمين قبل الكفار–، فإنهم متوافقون على ساعة ولادة الهلال وعمره، وكذلك متفقون على أن الهلال لسويعات قليلة تستحيل رؤيته. لكن قد يختلفوا في تحديد أقل عمر يرى معه الهلال الجديد. فإذا اتفقوا على استحالة رؤيته كان ذلك حجة قاطعة ترد بها شهادة مدعي الرؤية، لأن اليقين مقدمٌ على الظن. فإن كان بينهم خلاف معتبر على إمكانية رؤية الهلال، أخذنا بالرؤية.

 

هزاع: ما معنى ولادة القمر فلكياً؟

أحمد: أشكرك يا أخي على سؤالك. فإن أكثر الخلاف يأتي ممن يتكلم في المسألة وهو لا يفهمها ويستكبر أن يسأل عما يشكل عليه. وصدق من قال: لو سكت من لا يعلم، لذهب الخِلاف. هناك الولادة الحسابية وتعريفها خروج الهلال ولو بلحظة عن خط تتابع الأرض-القمر-الشمس. والكل مجمعون بأنه من المستحيل العملي والعلمي رؤية الهلال في هذه اللحظة. هذا لا خلاف فيه البتة. وهناك الولادة بمعنى (الوجود والمشاهدة) فيمكن باستخدام المعدات المتطورة رؤية الهلال قبل ظهوره بساعات حسب تطور العلم والآلات. ويجب أن تمضي فترة تقدر بالساعات حتى يمكن للهلال أن يُرى. طبعاً ليست إمكانية الرؤية متعلقة بعمر الهلال فحسب، بل بعوامل كثيرة أخرى مثل زاوية الهلال عن الأفق وعوامل الجو.

 

هزاع: ما هي تلك العوامل؟

أحمد: بعض هذه العوامل قد يختلف العلماء في تفاصيلها. وأهمها:

1- عمر الهلال (لا يمكن رؤيته بالعين المجردة لأقل من 15.5 ساعات، وغالباً 18 ساعة).

2- البعد الزاوي بين القمر و الشمس عند غروبها (على الأقل 8 درجات).

3- ارتفاع القمر عن الأفق الغربي وقت غروب الشمس (لا يمكن رؤيته لأقل من 5 درجات). وإذا كان قد غرب قبل غروب الشمس، فحتماً لن تتمكن من رؤيته.

انظر هذا الموقع: http://aa.usno.navy.mil/faq/docs/islamic.html

 

هزاع: ومتى يبدأ اليوم الشرعي؟

أحمد: اليوم الشرعي يبدأ من غروب الشمس ولكن الفيصل هو إدراك جزء من الليل قبل حلول الفجر. أما الشهر القمري فيبدأ عندما يبدأ القمر بتخلفه عن الشمس. فإذا بدأ القمر تأخره عن الشمس في ساعات النهار لا يلاحظ ولا يشاهد، وفي هذه الحالة سيظهر القمر بعد الغروب أكثر وضوحاً. والشرع لا يعتبر أجزاء اليوم.

 

هزاع: ما الفرق بين ولادة الهلال وإمكانية الرؤية؟

أحمد: الفلكيون الخلص قد اتفقوا على أن الاقتران: هو اجتماع وتراصف الأرض والشمس والقمر في خط واحد، بحيث يكون القمر بين الشمس والأرض. مما يحجب ضوء الشمس عن القمر كلية، مسبباً اختفاءه. والبعض يسمي هذه بالولادة. ويدقق البعض منهم فيقول: إن ميلاد الهلال هو خروج القمر من الاقتران، أو خروجه من المحاق. أي بحيث تكون الشمس أمامه من جهة الغرب، والقمر خلفها من جهة الشرق، فيظهر بالولادة نور الشمس على جزء من القمر. ولا يخفى عليك أن زمن الاقتران لا يتجاوز الدقيقتين.

وأما إمكان الرؤية : هو حصولها بالقدرة البصرية على رؤية الهلال بعد ولادته. وهذا يتحقق بعد ساعات عديدة من ولادة الهلال.

 

هزاع: هل العلماء متفقون على حساب هذه الأمور بدقة؟

أحمد: أجمع علماء الفلك على أن ولادة الهلال تتم في وقت محدد بالدقيقة إن لم يكن بالثانية. وعلماء الفلك قاطبة لا يختلفون في ذلك التحديد إلا إذا اختلف علماء الرياضيات في نتيجة جمع عشرين مع خمسة عشر أو نحو ذلك من النتائج القطعية. وإنما الاختلاف بين الفلكيين في مسألة إمكان رؤية الهلال بعد اتفاقهم على وقت ولادته.

 

هزاع: لكن سمعت من بعض الفقهاء أنه حتى ولادة الهلال ظنية؟

أحمد: إذا كان المنازع لا يزال في منازعته في أن ولادة الهلال ظنية لا قطعية فعليه أن يأتي بقول واحد من علماء الفلك يقول بظنية الولادة لا قطعيتها. أما أن تُحشر لنا نصوص من أقوال فقهائنا من المذاهب الأربعة فهم علماء شريعة وليسوا علماء فلك. فهل يصح أن ننتقد مسألة طبية في الجراحة مثلا أو مسألة هندسية من النظريات الهندسية ثم نأتي بأقوال الفقهاء على انتقاد هذه المسائل العلمية من طب أو هندسة أو فلك أو نحو ذلك؟

 

هزاع: لكننا نلاحظ اختلاف التقاويم عن بعضها البعض، مما يدل على تناقض الفلكيين. ومن المعروف أن هذه التقاويم تختلف بين بعضها وبعض، فمنها ما يجعـل شـعبان (29) يومًا، ومنها ما يجعله (30)، وكذلك رمضان، وذو القعدة وغيرها. فهذا دليلٌ على أنها لا تقوم على علم يقيني. لأن اليقين لا يعارض بعضه بعضاً.

أحمد: هذا صحيحٌ بلا ريب، ولكن ليس هذا هو الحساب العلمي الفلكي الذي نعنيه. علم الفلك الحديث يقوم على المشاهدة بوساطة الأجهزة وعلى الحساب الرياضي القطعي. ومن الخطأ الشائع لدى كثير من علماء الدين في هذا العصر، اعتقاد أن الحساب الفلكي هو حساب أصحاب التقاويم، أو النتائج، التي تطبعُ وتوزع على الناس، وفيها مواقيت الصلاة، وبدايات الشهور القمرية ونهايتها. وينسب هذا التقويم إلى زيد، وذاك إلى عَمْرٍو من الناس، الذين يعتمد معظمهم على كتب قديمة ينقلون منها تلك المواقيت، ويصفونها في تقويماتهم.

إن الذي نعنيه هو ما يقرره علم الفلك الحديث، القائم على المشــاهدة والتجربة، والذي غدا يملك من الإمكانات العلمية والعملية "التكنولوجية" ما جعله يصل بالإنسان إلى سطح القمر، ويبعث بمراكز فضائية إلى الكواكب الأكثر بعدًا، وغدت نسبة احتمال الخطأ في واحداً إلى مئة ألف في الثانية. وأصبح من أسهل الأمور عليه أن يخبرنا عن ميلاد الهلال فلكياً بالدقيقة والثانية، لو أردنا.

 

هزاع: هل يمكن أن تعطينا دليلاً حسياً يثبت قطعية هذه الحسابات؟

أحمد: خذ الحسابات الفلكية للكسوف والخسوف، منذ خمسين سنة حتى هذا اليوم. هل تجد مرة خالفت الواقع؟

 

هزاع: ما بلغني أنهم أخطؤا في حسابات الكسوف والخسوف أبداً. ولو حصل ذلك لاشتهر. لكن ما علاقة هذا برؤية الهلال؟

أحمد: حسابات الكسوف والخسوف دقيقة للغاية، ويتم حسابها بالثانية. وفي النهاية تطابق الواقع بدقة مذهلة. وخسوف الشمس يحصل تماماً عند لحظة الاقتران. فهذا يدل بالضرورة أن حسابات الفلكيين لولادة الهلال هي غاية في الدقة. وأنت بالتأكيد تعتمد في أوقات صلاتك على الحسابات الفلكية. وهي قائمة على نفس المعادلات التي تستعمل لحساب حركة الشمس والقمر من أجل معرفة رؤية الهلال. فأي تناقض أكبر من أن تأخذ بها هنا، وترفضها هناك؟

 

هزاع: لو قال الفلكيون لم يولد القمر، ورآه العدول الثقات، فهل نكذب الحس –وهو الرؤية–؟

أحمد: نعم تعبدنا الله تعالى برؤية الهلال، ونحن نبحث عمن رآه حقيقة. فالحساب آلة للتثبت من صحة الرؤية، وليس بديلاً عنها. فكلام الفلكيين مُقدَّمٌ على رؤية منفرد عامي ليس من أهل الاختصاص ما دام الحساب يقضي بالاستحالة، والمراصد تنفي وجود الهلال، وأهل الاختصاص خرجوا و لم يروا شيئاً. إذا جاءك رجل وقال لك لقد رأيت الشمس تغرب الساعة 3 بعد الظهر (وأنت تعلم أن وقت الغروب الرابعة والنصف)، فهل تصدقه حتى لو كان ثقة؟ أم تبحث عن سبب الخطأ في توهمه الرؤية، وتكون على يقين بأنك ستكشف الخطأ؟

 

هزاع: بل أحمله على الخطأ متعمداً أم غير متعمد.

أحمد: فإن كنت تقر بمبدأ رد شهادة العدل في الرؤية إن خالفت المعقول، فلم لا تقبل برد الشهادة إن خالفت الحساب الفلكي القطعي؟

 

هزاع: لأن النبي r قال: «إنَّـا أُمَّـةٌ أُمِّـيَّـةٌ: لا نكتب ولا نحسب».

أحمد: فلماذا تكتب طالما أنت من أمة أميّة لا تكتب؟!

 

هزاع: لأن الكتابة حلالٌ بالإجماع.

أحمد: بالضبط. والحديث إما أن يكون خبراً أو إنشاءً. أما كونه خبراً فبيِّنٌ لا خلاف فيه، وهو الظاهر من قوله r. وأما كونه إنشاءً، فهو خروج عن الظاهر، فلم هو؟ ثم إن الأوجه المختلفة لإعراب جملة "لا نكتب ولا نحسب" لا تساعد على هذا، وهي كلها لا تصلح للإنشاء، وأعني بها الخبرية والصفة والحالية. فإن من شرط هذه الثلاثة أن تكون خبرية لفظا ومعنى، كما هو معروف في كتب النحو.

 ولا يقبل الحديث إلا معنيين: إما أن يكون الحديث إنشاءً ونهياً عن الكتابة والحساب (فينبغي بذلك ذكر الحديث في باب فضائل الأميّة!!)، وإما أن يكون الحديث إخباراً عن واقع في الزمن الذي قيل به الحديث. ولا ثالث بينهما.

فليزم على التفسير الأول: القول بتحريم الكتابة والحساب، وهما عمدة العلوم العقلية اليوم. وما علمت أحداً من العلماء أصلاً فهمه كذلك. وهل سمعت في أحد الكتب "باب فضل الجهل والأميّة"؟ أو "باب تحريم الكتابة والحساب"؟!

فإن لم يكن نهياً فهو إذاً إخبار عن واقع في ذلك العصر. فإن اليهود يعملون بالتقويم القمري كذلك وليس الشمسي. وكانت لهم طريقة في الحساب الفلكي تعتمد على حساب المطلع الفلكي للقمر. وكان العرب آنذاك أمةٌ أمية لا يعرفون الكتابة ولا الحساب. فمن الطبيعي أن يرفض رسول الله r عرض اليهود بحساب مطالع الشهور. هذا عدا أن تلك الحسابات لم تكن صحيحة أصلاً.

 

هزاع: وما دخل اليهود في المسألة؟

أحمد: قد فرض الصيام في السنة الثانية للهجرة، وكان من بين سكان المدينة آنذاك ثلاث قبائل يهودية. وكان أولئك اليهود يعملون بالتقويم العبري، وهو يقوم على التقويم القمري لكنه يخضع لعمليات دقيقة من التعديل والزيادة والنقص حتى يتوافق مع التقويم الشمسي. وهذه العمليات تعلمها كهنة المعبد أيام السبي البابلي. وبما أن اليهود كانوا يسمون غيرهم بـ"الأميين" فيجوز أن نفهم قوله r: "نحن أمة أمية..." بأنه يعني أننا لسنا يهودا، لهذا لا نتبع تقويمهم لعدم ارتباطه بالتقويم القمري بشكل خالص. أما قوله "لا نحسب" فيعني أن الحساب القمري الخالص لا يقوم على تلك الوسائل الحسابية المعقدة لتثبيت عدد أيام الأشهر بحسب السنوات، بل يقوم على الولادة المجردة للهلال. وهذا ما تبينه إشارته r بأصابع يديه الشريفتين إلى أن الشهر يمكن أن يكون ثلاثين يوما ويمكن أن يكون تسعة وعشرين يوما، لا بحسب التثبيت المسبق بحسب السنة، بل بحسب هذه الظاهرة الفلكية وحسب.

 

هزاع: فأي شرف في أن تخطو الأمة خطو غيرها وتترك ميراث نبيها r والشرف الذي أعطاها؟

أحمد: ليست الأمية صفة تشريف لسائر الأمة (بل هي تشريف خاص بالنبي r)، ولا هي صفة ملازمة للأمة إلى يوم القيامة. وقد جاء النبي الأمي r ليخرج الأمة من الأمية، وهذا ما حصل فعلا. قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} (2) سورة الجمعة. والواقع يشهد أن هذه الأمة خرجت من الجهل إلى العلم بفضل توجيه هذا الدين، وإن الإسلام دخلت فيه أمم ليست أمية. وإن هذا الوصف قد ارتفع قطعاً بعد ذلك، يوم أصبح العالم الإسلامي قائد الحضارة.

ثم إن أخذ الأمة بأسباب العلم في هذا الأمر ليس فيه ترك لميراثه r، بل ليس أحد أولى من هذه الأمة في هذا. كيف لا وقد امتلأ كتابها بدعوتها للنظر لما في السماوات والأرض. وأخبر سبحانه أنه سخر لنا الشمس والقمر دائبين، وأنه سبحانه: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (5) سورة يونس.

 

هزاع: فلماذا تريدنا أن نعتمد الحسابات الفلكية هذا اليوم؟

أحمد: إن اعتماد الرؤية كان لأمية الأمة، التي لم تكن تكتب ولا تحسب، فإذا تغير وضع الأمة، وأصبحت تكتب وتحسب، وغدت قادرة على الاعتماد على نفسها –لا على غير المسلمين– في إثبات الشهور بالحساب العلمي الدقيق، كان عليها أن تعتمد الحساب مع الرؤية، لأنها وسيلة أدق وأضبط وأقرب إلى توحيد كلمة المسلمين، بدل هذا الاختلاف الشاسع الذي نراه في كل صيام وفطر، بين أقطار الإسلام بعضها وبعض، إلى حد يصوم بعضهم الخميس وبعضهم الجمعة، وبعضهم السبت مثلاً (كما حدث في بدء رمضان هذا العام -1409 هـ).

فكان قوله "إنا أمة أمية..." من قبيل مسلك الإيماء إلى علة قياس الفلكيين المضبوط، على رؤية الهلال بالبصر. أي سبب عدم اعتماد الحساب هو عدم معرفتنا به (آنذاك) لأننا أميون. والحكم يدور مع العلة وجوداً وعدماً. فإذا انتفت العلة (ولقد انتفت) انتفى السبب الذي دَعا لعدم اعتماد الحساب.

 

هزاع: لكن علينا اتباع النصوص كما جاءت، لأن الإسلام قد جاء لكل زمان.

أحمد: بتأمل واقع الحال وتنزيل النص عليه يتبين أن الرؤية البصرية كانت الوسيلة الوحيدة لإثبات الأهلة في القرون الهجرية الأولى. والاتِباع مفروض في النصوص التي تلقى إلينا مطلقة غير معللة. فإذا ورد النص نفسه معللا فإن الأمر حينئذ يختلف، ويكون للعلة تأثيرها في فهم النص وارتباط الحكم بها وجودا وعدما في التطبيق، ولو كان الموضوع من صميم العبادات.

 

هزاع: بدا لي أن حسابات الفلكيين اليقينية في حساب الاقتران –وإن كانت دقيقة جداً– إلا  أن الفيزياء الفلكية لها رأي آخر.  وما يبدو للعيان قد يكون خداعا للنظر.

أحمد: هذا الكلام إلى السفسطة هو أقرب منه للعلم. فالقوم اليوم لا يتكلمون عن رصد ومشاهدة بالعين الباصرة، بل ولا على رصد وتتبع بالآلات المكبرة العتيقة. لا هم اليوم يتكلمون عن أجرام قد حطوا عليها رحالهم، ووطئتها أقدامهم، ولمسوها بأيديهم. فضلاً عن تتبعها بأدوات قد بلغت من الدقة العجيبة شيئاً مذهلاً. وقد رصدوا لها أقمارا صناعية تتبعها على مدار الساعة ثانية بثانية ولا أقول دقيقة، فهل بعد هذا وما هو أكثر مما لم أذكر و لا أعلمه يأتي من يقول: ولكن ما يبدو للعيان قد يكون خداعا للبصر؟! والحمد لله أن قد مع الفعل المضارع عند أهل العلم سور جزئي، فهي في قوة المهملة.

 

هزاع: فلماذا لا نفترض أن حسابات العلماء للاقتران هي من حيث العدد يقينية، أما من حيث واقع الأمر فلا يستطيع أحد منهم أن يجزم أن الظواهر والمرئيات لها وضع آخر في الكون؟

أحمد: لا نستطيع أن نفترض ذلك، وما ينبغي لنا. ذلك لأن حساباتهم خضعت وتخضع لمراجعة دقيقة مع الواقع الملموس المحسوس، فالقوم اليوم يشاهدون عملية الاقتران عياناً، فلا مجال للخطأ إلا بقدر جزء في الثانية. ونحن في حديثنا هذا إنما نتحدث عن القمر من حيث حركته، وما يتبع ذلك من مهمات تفيدنا في أمر آخرتنا. وهذا أمر قد وافق فيه الخبر الخبر كما يقولون، وليس عند أهله شك ولو قيد أنملة في صحته. وأما غير ذلك من بعض الظواهر التي لم يصل إليها علم أهل الفلك –وهو كثير– (أي من أمثال النجوم والمجرات التي تبعد عنا ملايين السنين الضوئية) فإن بعض قولك صحيح.

 

هزاع: أليس في اعتماد الحساب تعسير على الأمة؟

أحمد: إن هذا الأمر صحيح في الزمان الأول، حيث لم يكن في الإمكان أفضل من ذلك، فلم يكن من المناسب تكليف الناس ما لا يطيقون. أما اليوم بعد أن أصبحت مبادئ هذا العلم ومقدماته تدرس في المراحل الأولى بالمدارس، وخصصت لعلوم الفلك كليات ومعاهد، وأصبح الحصول على نتائج دراساتهم يتم بأسرع من لمح البصر، فأين العسر والتشديد في هذا؟! نعم لو أننا كلفنا كل شخص بهذا، لكان في الأمر حرج شديد قد انتفى عن شريعتنا السمحة. بل إن هذه الوسيلة لمعرفة بداية الشهر القمري ونهايته قد غدت أسهل وأقرب من الرؤية البصرية، وذلك لما يعرض للرؤية من وهم وخطأ، زيادة على التلوث البيئي الذي أضحي يزداد يوما بعد يوم مما يسبب عائقا كبيرا في بعض مناطق الرؤية البصرية، إلى غير ذلك من أمور استجدت في هذا الكون. هذا مقابل التقدم الكبير الذي حدث في مباحث الحاسبين في مسألة إمكانية الرؤية، خاصة في السنوات الأخيرة. بل إن الحسابات تلك صارت متوفرة كبرنامج حاسب سهل الاستعمال.

إذاً فالعسر المدعى في الحساب أمر نسبي كما هو في الرؤية في أول الشهر. فهل كل الناس يرونه وقد أمسي كالفتيل؟ لا شك أنه لن يتمكن من رؤيته إلا من كان حاد البصر العارف بموقعه. وأما الذي يتيه بصره في السماء، فيدعي ما لا يوجد وما لا يكون.

 

هزاع: هذه المسألة ليس لها أي نظير في فروع الشريعة ، فكيف يمكن أن تجعلوا هذا الشاذ أصلا مكينا تصححون عليه عبادات الناس؟

أحمد: من الممكن أن نورد ما ذكره الشاطبي، وهو ما طلب من العلماء الذين ينظرون في مواقع الأحكام، من شرائط الاجتهاد التي يتطلب الحصول عليها مشقة غير معهودة أيضا في مجاري الشريعة، وبها يتميز العلماء عن سائر الناس. وكذلك يقال في أغلب فروض الكفاية مما يتعلق ببعض المهن العمرانية وغيرها كالطب والهندسة. أي مثلاً يقال: نظير هذا القول أن يقال للقرية التي ليس فيها طبيب واحد، لا تجوز المعالجة عنده ولا يجوز له التطبيب لأن الأمر إذا ضاق اتسع، أي رجع إلى العلاج التقليدي للعجائز.

 

هزاع: هل يمكن أن تعطي مثالاً أوضح عن عبادة كانت مرتبطة أيام السلف بالرؤية البصرية، ثم صارت اليوم مرتبطة بالحسابات الفلكية؟

أحمد: حدد الرسول r أوقات الصلوات الخمس بظواهر مرئية كزوال الشمس، وحين يكون ظل كل شيء مثله، وغروب الشمس وغروب الشفق، وطلوع الفجر. لكن المسلمين الآن، ومنذ زمن بعيد، لم يعودوا يحددون صلواتهم بهذه الظواهر التي ورد النص عليها، بل استبدلوا بها الاعتماد على الساعة. فلا يكاد يَخرج مؤذن في أي من البلاد الإسلامية عند الفجر ليرقب ظهور الفجر، أو عند الظهيرة ليرقب زوال الشمس. بل أصبح هؤلاء المؤذنون والمسلمون جميعاً يعتمدون على التوقيت الذي يحدَّد عن طريق الحساب الفلكي ليتلاءم مع هذه الظواهر. وكذلك الأمر بالنسبة للصيام، رغم وجود نص قرآني صريح: "وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر". بمعنى أن المسلمون اعتمدوا على الحسابات الفلكية بشكل كلي في فرض الصلاة، وبشكل جزئي في فرض الصيام. وصار الحساب وسيلة كافية لإثبات دخول الوقت وتبين ذلك.

 

هزاع: لكن الصيام هو عبادة بصرية، بمعنى أنه لا يمكن ابتداءه حتى نتمكن من رؤية الهلال بأعيننا لقوله r "صوموا لرؤيته".

أحمد: أما قولك أن الرؤية لا تكون إلا بالعين، فهذا يرد عليه بأن الرؤية تتحقق في أيامنا هذه بالحساب الدقيق. والرؤية في اللغة العربية تحتمل كل ذلك بل أكثر. فالله سبحانه وتعالى يقول: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ}. ويقول كذلك: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ}.  ومعلوم أن الرسول r لم ير الحادثة "بعينه" بل بالإخبار، فتأمل. فإذا كان الإخبار بمرتبة اليقين، صح لك أن تقول أنك رأيت الأمر. ومثال ذلك قول الله في سورة التكاثر: {كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ}. فالمراد بالمرة الأولى رؤيتها قبل يوم القيامة رؤية البصيرة، و هي رؤية القلب التي هي من آثار اليقين. والرؤية الثانية هي الرؤية البصرية التي تكون في يوم القيامة.

 

هزاع: لكن الأخذ بالحسابات الفلكية مخالف للإجماع. والحساب للأهلة قول مبتدع في الإسلام لم يقل به مسلم قط. ومن عمل به فقد ضل واتبع غير سبيل المؤمنين.

أحمد: على مهلك يا أخي. فالمشهور جداً بين العلماء أن في المسألة خلاف منذ القدم. وقد عمل بالحساب (على اختلاف في التفصيل) بعض الفقهاء. وأقدمهم مطرف بن عبد الله بن الشخير (ت 95هـ، أو 78هـ) وهو ثقة عابد فاضل من كبار التابعين ولد في حياة النبي r.

وقد قال محمد بن سيرين: «خرجت في اليوم الذي شُكّ فيه، فلم أدخل على أحدٍ يؤخذ عنه العلم إلا وجدته يأكل، إلا رجُلاً كان يحسب ويأخذ بالحساب». فهذا عالمٌ من السلف أثبت الشهر بالحساب، مع أننا لا نقول بذلك، إنما نثبته بالرؤية إذا لم يثبت بالحساب استحالتها. ولكن المقصود هو تبيين أن المسألة خلافية قديمة. وقد قال ابن رشد في بداية المجتهد (1|207): «وروي عن بعض السلف أنه إذا أغمي الهلال رجع إلى الحساب بمسير القمر والشمس».

وجاء في تفسير القرطبي (2|293): «وقد ذهب مُطَرِّف بن عبد الله بن الشِّخِّير –وهو من كبار التابعين– وابن قتيبة –من اللغويّين– فقالا: يُعَوَّل على الحساب عند الغيم بتقدير المنازل واعتبار حسابها في صوم رمضان، حتى إنه لو كان صحوا لرُئي لقوله عليه السلام: "فإن أغمِيَ عليكم فاقدروا له" أي استدلوا عليه بمنازله وقدروا إتمام الشهر بحسابه». وابن قتيبة (ت 376هـ) من أئمة السلف المشهورين، وكان يُسمى بخطيب أهل السنة، وهو حجة في اللغة. والمقصود بذكره بيان أن معنى الحديث في العربية يحتمل هذا المعنى.

وقد ذهب العلامة أبو العباس بن سريج (ت 301هـ أو 306هـ) من أئمة الشافعية (الذي اعتبر مجدد القرن الثالث)، إلى أن الرجل الذي يعرف الحساب، ومنازل القمر، إذا عرف بالحساب أن غداً من رمضان فإن الصوم يلزمه. لأنه عرف الشهر بدليل، فأشْبَهَ ما إذا عرف بالبينة. وتبعه في ذلك تلميذه القفال الكبير الشاشي الشافعي. واختاره القاضي أبو الطيب، لأنه سبب حصل له به غلبة ظن، فأشبه ما لَوْ أخـبره ثقة عن مشاهدة. وقال غيره: يجـزئهُ الصـوم ولا يلزمه. وبعضهم أجاز تقليده لمن يثق به. انظر: المجموع (6|270–280). وقد نسبوا هذا القول كذلك لمحمد بن مقاتل (ت 248هـ) وهو فقيه حنفي صاحب الإمام محمد بن الحسن. وحكي القول عن قومٍ آخرين. وهو قول الإمام ابن دقيق العيد (في حال الغيم)، ثم من بعده السبكي الشافعي (756هـ) الذي ألف بحثًا مستقلاً سمّاه: "العلم المنشور في إثبات الشهور"، دافع فيه بقوة عن رأيه في رد الشهادة بالرؤية إذا خالفت مقتضى الحساب الصحيح. وقد أجاز هذا القول كثير من الشافعية (مثل الروياني، والقفال، والقاضي الطبري، والقليوبي، والعمادي) وهو قول عند المالكية (كالقرافي وغيره).

 

هزاع: ماذا يقول ابن دقيق العيد و تقي الدين السبكي عن هذا الموضوع؟

أحمد: يقول ابن دقيق العيد: والذي أقول به : إن الحساب لا يجوز أن يعتمد عليه في الصوم لمفارقة القمر الشمس على ما يراه المنجمون من تقدم الشهر بالحساب على الشهر بالرؤية بيوم أو يومين، فإن ذلك إحداث لسبب لم يشرعه الله. وأما إذا دل الحساب على أن الهلال قد طلع من الأفق على وجه يرى لولا وجود المانع – كالغيم مثلا –، فهذا يقتضي الوجوب لوجود السبب الشرعي، وليس حقيقة الرؤية شرطا في اللزوم. لأن الاتفاق على أن المحبوس في المطمورة إذا علم بإكمال العدة أو بالاجتهاد بالأمارات أن اليوم من رمضان، وجب عليه الصوم وإن لم ير الهلال ولا أخبره من رآه.

ويقول السبكي: إن دل الحساب على عدم إمكان الرؤية، ويعرف ذلك بمقدمات قطعية ويكون القمر في هذه الحالة قريبا جداً من الشمس. ففي هذه الحالة لا تمكن رؤيته لأنها مستحيلة. فلو أخبر به شخص أو أكثر –وهذا خبر يحتمل الصدق والكذب والغلط– فلا يجوز تقديمه على الحساب القطعي أو معارضته به. وهناك كثير من الناس يغلطون أو يخطئون في رؤية الهلال. وقد روي عن أنس بن مالك أنه حضر مع جماعة لرؤية الهلال وكان معهم إياس بن معاوية فلم يره أحد منهم غير أنس بن مالك الذي قال إنه رآه مع أنه كبير السن. وأشار أنس الى الجهة التي قال عنها إنه رأى الهلال فيها فتطلعوا جميعا إلى تلك الناحية فلم يروا شيئا. ومنهم من هو أقوى نظراً من أنس. وهنا التفت إياس –وكان  ذكيا حاضر البديهة– ونظر إلى عيني أنس فرأى على أحداهما شعرة وقد تدلت من حاجبه، فمسح إياس حاجب أنس بيده حتى سواه وقال له: أرني الهلال الآن، فقال أنس: لا أنظره الآن.

وقال السبكي كذلك: إعلم أنه ليس مرادنا بالقطع ها هنا الذي يحصل بالبرهان الذي مقدماته كلها عقلية، فإن الحال هنا ليس كذلك. وإنما هو مبني على أرصاد وتجارب طويلة.

 

هزاع: فهل قال أحد من العلماء المعاصرين باعتماد الحساب الفلكي العلمي؟

أحمد: قال بذلك الكثير جداً، ونسبه البعض لأكثرهم. وكتب في ذلك المحدث الكبير العلامة أحمد محمد شاكر –رحمه الله– رسالته، في "أوائل الشهور العربية: هل يجوز إثباتها شرعًا بالحساب الفلكي؟". وفتواه فيها نقول قيمة وأفكار نيرة. كما نقل هذا المذهب عن الشيخ محمد مصطفى المراغي، شيخ الأزهر الشهير في وقته. ومن المنادين بذلك الفقيه الكبير العلامة مصطفى الزرقا –رحمه الله–، وله في ذلك فتوى في غاية الروعة ناقش بها جميع الأقوال. وقال بذلك أيضاً المفكر المعروف الشيخ رشيد رضا في مجلة المنار، وفي تفسيره لآيات الصيام. ودعا إلى ذلك كذلك الشيخ المربي علي الطنطاوي رحمه الله. وهو قول الشيخ طنطاوي جوهري صاحب التفسير.

ومن القائلين بذلك محدث الشام الشيخ السلفي عبد القادر الأرناؤوط –رحمه الله–. وذهب الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله– في شرحه لزاد المستقنع (نهاية الشريط الأول) إلى رد شهادة رؤية الهلال، بقول أهل المرصد من الفلكيين –العاملين بالحساب– إذا قرروا عدم إمكانية رؤيته. وإلى ذلك ذهب الشيخ محمد بن عبد الرازق المراكشي صاحب "العذب الزلال"، وهو من الكبار في تخصصه الفلكي. وقال الشيخ عبد الله المنيع (عضو هيئة كبار العلماء وعضو لجنة تقويم أم القرى): «وأما حكم العمل بالحساب الفلكي من حيث النفي، فيجب الأخذ بذلك... لأن الرؤية شهادة، ومن أسباب رد الشهادة أن تكون مرتبطة بما يكذبها». والقائمة طويلة.

 

هزاع: فلم تبرر قول جمهور الفقهاء القدامى، بعدم اعتماد الحسابات؟

أحمد: لأن تلك الحسابات كانت تعوزها الدقة كثيراً. وغاية ما كان يمكن حسابه، هو موعد ولادة القمر فلكياً. ومعروفٌ أن ولادة القمر الفلكية لا تفيد بالضرورة رؤيته بالعين المجردة، بل لا بد من أن تمضي على ولادته 15 ساعة على أقل تقدير حتى يمكن رؤيته. وغالباً أن هذا لا يمكن قبل 18 ساعة. لأن القمر يجب أن يكون بحجم يمكن رؤيته بالعين المجردة. مع الملاحظة أن عمر القمر ليس العامل الوحيد بالرؤية، بل يدخل به أمور أخرى معقدة مثل زاوية الرؤية وساعة الغروب وغير ذلك. وحسب علمي فإن تلك الحسابات المعقدة لم يتوصل العلماء إليها إلا بهذا العصر. وقد وضع علماء الفلك المسلمون حسابات دقيقة لحساب الهلال، منذ مطلع ثمانينات القرن العشرين. وقد أثبتت صحتها بدقة كبيرة.

 

هزاع: لكني لا أعرف شيئاً عن علم الفلك، فلذلك أرفضه.

أحمد: هذه هي المشكلة الحقيقية: الإنسان عدو ما يجهل. أخي الكريم، ما الداعي للطعن في علم لا تعرفه؟ الله سبحانه وتعالى يقول {... فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (43) سورة النحل.

 

هزاع: فماذا نفعل بأقوال العلماء القدامى في منع اعتماد الحساب؟

أحمد: السلف لم يكن بإمكانهم حساب وقت رؤية الهلال بشكل يقيني. وهذا لم يتحقق إلا منذ فترة قريبة في هذا العصر. فنحن نتكلم عن مسألة حادثة. ونقل نصوص لعلماء قدماء، هو حياد عن المسألة وإتيان بنصوص أجنبية عنها.

 

هزاع: ألم يكن علم الفلك عند السلف هو نفسه علم التنجيم؟ وقد كان علم الفلك يسمّى بالتنجيم، اشتقاقًا من النجم، ويتعلمون معه التنجيم بمعنى الكهانة.

أحمد: نعم، هكذا كان عند السلف الأوائل، قبل أن يطلع العرب على علوم الفلك عند الشعوب الأخرى كاليونان والهنود وغيرهم. لكن مع ذلك كان كثير ممن يدعون ممارسة علم الفلك، يمارسون في الحقيقة الدجل المسمى بالتنجيم. وقد وصفه ابن بزيزة بأنه: «مذهب باطل. فقد نهت الشريعة عن الخوض في علم النجوم لأنه حَدس وتخمين، وليس فيه قطع ولا ظن غالب». ويبدو من كلام شيخ الإسلام أن كثيرًا من أهل حساب النجوم كانوا أيضًا يشتغلون بتلك الأمور الباطلة، التي نهت عنها الشريعة أشد النهي. قال: «فالقول بالأحكام النجومية (أي التنجيم) باطلٌ عقلاً ومحرماً شرعاً. وذلك أن حركة الفلك –وإن كان لها أثراً– ليست مستقلة، بل تأثير الأرواح وغيرها من الملائكة أشد من تأثيره، وكذلك تأثير الأجسام الطبيعية التي في الأرض». وهذا واضح أنه عن فلسفات التنجيم ولا علاقة له بعلم الفلك الحديث.

 

هزاع: فهل تدعي أن سبب رفض العلماء القدامى للحساب الفلكي القديم بسبب عدم دقته وارتباطه بالتنجيم آنذاك؟

أحمد: بالضبط. فهي لم تكن أبداً بالحسابات الدقيقة، بل كان أغلبها حدسٌ وتخمين. فقد نقل الزرقاني في شرحه على الموطأ عن النووي قوله: «إن عدم البناء على حساب المنجمين لأنه حدس وتخمين، وإنما يعتبر منه ما يعرفه به القبلة والوقت». أي: إن مواقيت الصلاة فقط يعتبر فيها الحساب، والسبب إمكانية حسابها بدقة في ذلك الوقت. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في معرض احتجاجه لعدم جواز اعتماد الحساب: «إن الله سبحانه لم يجعل لمطلع الهلال حساباً مستقيماً.. ولم يضبطوا سيره إلا بالتعديل الذي يتفق الحساب على أنه غير مطرد، وإنما هو تقريب». والمتأمل لكلام شيخ الإسلام يجد أنه أنكر على طريقة حساب معينة، وهي بدائية جداً ويكثر الخطأ فيها. و من أمعن النظر في كلامه رحمه الله، يجد أنه يقر كثيراً من أمور الحساب المشتهر في وقته.

 

هزاع: هات الدليل على أن إنكار ابن تيمية كان لطريقة الحساب البدائية فقط.

أحمد: هناك أمران مختلفان واضحان في كلام ابن تيمية عن هذه القضية: فيتعلق الأول بولادة الهلال فلكيا، والثاني برؤية الهلال بالعين المجردة.

أما عن الأمر الأول فمن البيِّن أن ابن تيمية لا يجادل في إمكان معرفة ولادة الهلال فلكيا عن طريق الحساب، فهو يقول: «فنقول: الحاسبُ غايةُ ما يُمكِنه إذا صح حسابُه أن يَعرف مثلا أن القرصين (الشمس والقمر) اجتمعا في الساعة الفلانية وأنه عند غروب الشمس يكون قد فارقها القمرُ إما بعشر درجات مثلا أو أقل أو أكثر.  وهذا غاية معرفته وهي بتحديد كَمْ بينهما من البُعد في وقت معين في مكان معين. هذا الذي يضبطه الحساب». فهو يعترف بأن من الممكن أن يعرف الحاسب وقت خروج القمر من ظل الأرض ليقع عليه ضوء الشمس، وهو ما يمثِّل ولادة الهلال الجديد. وقد كرر هذا القول في عدد من فتاويه وكتبه.

أما ما يَعترض عليه فهو تحديد بعض المشتغلين بالحساب (كما يقول) الدرجةَ التي يمكن رؤية الهلال الوليد عندها بالعين المجردة، لأنه لا يمكن بنظره تحديد درجة معيارية يمكن عندها أن يرى الهلال بالعين المجردة في الظروف كلها. يقول: «أما كونه (الهلال) يُرى أو لا يرى، فهذا أمر حسي طبيعي ليس هو أمرا حسابيا رياضيا. وإنما غايته (الحاسب) أن يقول: استَقرأْنا أنه إذا كان على كذا وكذا درجة يُرى قطعا أو لا يرى قطعا. فهذا جهل وغلط؛ فإن هذا لا يجري على قانون واحد لا يزيد ولا ينقص في النفي والإثبات».

 

هزاع: وماذا تقول عن نظرية الشواش؟ أليست تنقض نظريات الفلكيين في أن الشمس والقمر يسيران بحسبان؟

أحمد: قضية الشواش لا علاقة لها بما نحن فيها. ومثالها التقريبي أن الساعة التي بيدي مضبوطة جداً، ولا أكاد أضبطها إلا عندما تنتهي بطاريتها كل سنتين تقريباً. ولكن دقتها ليست مطلقة، فلو وضعت فيها بطارية تدوم عشر سنين، فلا بد ان يحصل فيها شيء من عدم الدقة. وحركة الشمس والقمر أضبط من حركة هذه الساعة بكثير، ولكن قد يحصل فرق صغير في جزء من الثانية زيادة أو نقصاً في كل بضع سنين. وهذا الفرق الصغير يعني شيئاً عظيماً لعلماء الرياضيات النظرية من أمثال الفرنسي بوانكاريه، لأنهم لا يستطيعون وضع نظرية كونية شاملة مع وجود عوامل مجهولة أو لا يمكن ضبطها.

وهذا كله لا علاقة له بما نحن فيه. وإن شككت في ذلك فانظر إلى موعد شروق الشمس وزوالها وغروبها، أو إلى مواعيد الكسوف والخسوف، أو إلى مواضع القمر في الليالي العادية. فإن وجدت خللاً بليغاً في شيء من ذلك، فعلم الفلك باطل! وأنا أعجب من مقولتك تلك، لأن رب العالمين يقول {الشمس والقمر بحسبان}، وأنت ترتاح لمن يصفهما بالفوضى والشواش من أجل تصحيح رؤية أنت تعترف بأن القاضي قد يصححها وهي خاطئة.

 

هزاع: وهل تكلم الأصوليون في مسألة رد شهادة العدل بإثبات علمي قطعي؟

أحمد: بالتأكيد تكلموا كثيراً في هذه المسألة. والتحقق من هذه المسائل والتأكد من شهادة الشاهد ليست من باب الصوم، ولكنها من باب الشهادة. قال القشيري: «إذا دلَّ الحساب على أن الهلال قد طلع من الأفق على وجه يُرى، لولا وجود المانع –كالغيم مثلاً–، فهذا يقتضي الوجوب: لوجود السبب الشرعي، وأن حقيقة الرؤية ليست مشروطة في اللزوم. فقد اتفقوا على أنَّ المحبوس في المطمورة إذا علم بإتمام العدة، أو بطريق الاجتهاد أن اليوم من رمضان وجب عليه الصوم». وقال: الإمام شهاب الدين القرافي المالكي –صاحب كتاب الفروق– في الفرق الثاني والمئة ما نصه: «وإذا حصل القطع بالحساب ينبغي أن يعتمد عليه، كأوقات الصلوات، فإنه لا غاية بعد حصول القطع». ونقل القليوبي من الشافعية عن العبادي قوله: «إذا دل الحساب القطعي على عدم رؤية الهلال، لم يُقبل قول العدول برؤيته، وترد شهادتهم». ثم قال القليوبي: «هذا ظاهِرٌ جليّ، ولا يجوز الصوم حينئذ. وإن مخالفة ذلك معاندة ومكابرة».

 

هزاع: هل يصح اعتبار الحقائق العلمية –التي تبلغ مبلغ الحس السليم– في ردّ شهادة العدول في أي مسألة من مسائل الشرع؟ وهل لك أن تمثل لهذه القضية الأصولية في غير مجال الهلال؟

أحمد: لا شك في ذلك لأن شهادة هؤلاء الشهود تكون مقرونة بما يكذبها. فلو أن أربعة شهدوا على جريمة الزنا (أعاذنا الله وإياكم منها) ثم وجدنا حقيقة علمية تبلغ مبلغ الحس السليم تنفي إمكانية حصول الزنا (كأن ثبت أن الرجل مجبوب، أو أن المرأة بدون فرج، أو شهد الشهود العدول بوجود الرجل أو المرأة في مكان آخر في اللحظة المدعى حصول الزنا فيها) ماذا نفعل؟

 

هزاع: هذا لا شك أنه يدرأ الحد وتسقط به شهادة المثبتين.

أحمد: هذه الحقيقة اليقينية التي لم يتعبدنا الله بمعرفتها، درأت حد الزنا لأنها أسقطت شهادة الشهود، بالرغم من وجود الحقيقة الشرعية في البداية. والحقيقة اليقينية التي تقتضي استحالة رؤية الهلال، والتي لم يتعبدنا الله بمعرفتها، تبطل شهادة من زعم رؤية الهلال وتردّها، بالرغم من وجود الحقيقة الشرعية في البداية.

 

هزاع: الشرع لم يأت بالحساب وإنما اعتد بشهادة الشهود في رؤية الهلال.

أحمد: وكذلك الشرع لم يأت في مسألة الزنا بغير شهادة الشهود. فالتفريق محض تحكم. وعليه فإن الحقيقة العلمية التي تنفي إمكانية رؤية الهلال تسقط شهادة الشاهد، ومن ثمّ تزيل الحقيقة الشرعية وكأنها لم توجد أصلاً. ونقضي بخطأ الشاهد ووهمه. ولعل ممّا يشبه ذلك: ما لو شهد عدل برؤية الهلال، ثم جاء بعد ساعة وصرح جازماً بأنه كان واهماً في رؤيته، فهل تبقى الحقيقة الشرعية أم تزول؟

 

هزاع: ما هي أسباب الخطأ في الرؤية؟

أحمد: يمكن تعليل رؤية الهلال قبل ولادته ممن يدعيها بما يلي:

(1) يحتمل أن يكون المرئي نجما أو كوكباً قريباً من الشمس في حجم نقطة تُظن هلالاً. وأذكر أن أخوين من جماعتي من أسرة الهدلق تقدما إلى قاضي البلد بدعوى رؤية هلال شوال، وحينما ناقشهما القاضي عن الهلال وصفته قال: لعلكما رأيتما نجمةً؟ فقالا: نعم لعلها نجمة، فسميت نجمة الهدلق. وقد حدث مرة أن اشتبه الناس بكوكب الزهرة الذي كان ظاهراً في المغرب.

(2) يحتمل أن تكون الرؤية لطائرة أو مركبة فضائية أو قمرٍ صناعي أرى جسم في الفضاء قريب أو بعيد. ومن ذلك ما روي عن إياس بن معاوية وقصته مع أنس بن مالك.

(3) يحتمل أن تكون حالة جوية كعاصفة أو سحابة أو سراب.

(4) يحتمل أن تكون حالة نفسية حيث إن المتحري يُخَيَّل إليه شيء فيعتقده حقيقة .

(5) يحتمل أن يكون السبب هو ضعف البصر.

(6) يحتمل الكذب في ذلك وهذا أبعد الاحتمالات إلا أنه قد يقع.

 

هزاع: ما هي أسباب كثرة الخطأ في هذا العصر؟

أحمد: الخطأ وارد على الإنسان خاصة في أمر دقيق كهذا. وهو موجود في كل العصور، لكنه في هذا العصر أكثر. فالسماء في وقتنا المعاصر ليست كالسماء قبل ألف سنة. فبسبب منتجات الحضارة المعاصرة، صار هناك سحب غازية من غازات متنوعة، بعضها له من الكثافة و الطبيعة الكيميائية ما يعكس بعض الضوء على شكل ريشة فيخل للرائي أنه يرى الهلال. و كذا وجود أجرام جوية من أقمار صناعية، و طائرات بأنواعها.

 

هزاع: هل يمكن إعطائي مثالاً عن يوم حصل فيه الوهم في الرؤية؟

أحمد: هذا يحدث كل عام. وفي عام (1424هـ، 2003م) نقلت وكالة قدس برس ما يلي: أكد الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك، أن كل الحسابات الفلكية العلمية المؤكدة، أشارت إلي أنه لا يمكن رؤية هلال شهر رمضان يوم السبت الماضي (25 تشرين أول|أكتوبر). وأبدي الاتحاد استغرابه الشديد من إعلان عدد من الدول العربية بدأ شهر الصيام يوم الأحد الماضي. وقال بيان صدر عن الاتحاد، الذي يعتبر أحد مؤسسات جامعة الدول العربية، ويتخذ من الأردن مقرا له، إن إعلان كل من مصر والأردن وليبيا واليمن والسودان، بدء شهر الصيام يوم الأحد الماضي أمر يستدعي وقفة وتأملا. وكانت الدول المذكورة قد أعلنت يوم الأحد الماضي بداية لشهر رمضان المبارك، فيما أعلن ما تبقي من الدول العربية والإسلامية اليوم الذي يليه موعدا لبدء الصيام.

وقال البيان، إنه في مساء يوم السبت الماضي غاب القمر في عمان والقاهرة بعد غروب الشمس بخمسة دقائق فقط، وبالطبع تستحيل رؤية الهلال في مثل هذه الظروف، حتى باستخدام أكبر المراقب البصرية، وفق تعبير البيان. وأضاف أنه ولتأكيد هذه الحقيقة فقد قامت الجمعية الفلكية الأردنية بتحري الهلال يوم السبت باستخدام الطائرة وكان فريق التحري مزودا بمنظار فلكي. وعلى ارتفاع 4 كيلومترات عن سطح البحر يكون الغلاف الجوي نقيا جدا وخاليا من الأتربة والملوثات. وبالطبع لم يتمكن الراصدون من رؤية الهلال. وقال البيان بهذا الصدد: فإذا لم يتمكن الفلكيون العارفون بموقع القمر تماما من رؤية الهلال حتى باستخدام المنظار، ومن على هذا الارتفاع الشاهق، فإنه مدعاة للسخرية أن يُرى الهلال من قبل شخص عادي علي سطح الأرض بعينه المجردة. وأكد البيان، أن الجمعية الفلكية الأردنية تلقت نتائج رصد الهلال من قبل راصدي الأهلة المنتشرين في حوالي ستين دولة في مختلف أنحاء العالم من إندونيسيا شرقا، إلى الولايات المتحدة غربا، وأكدوا جميعهم عدم ثبوت رؤية الهلال يوم السبت، حتى باستخدام المراقب الفلكية.

 

هزاع: وما دخل المراقبين في الولايات الأميركية المتحدة بظهور الهلال في الشرق الأوسط؟

أحمد: أحياناً تأتي الشهادة برؤية الهلال في المشرق، ثم في أميركا الشمالية لا يرى أي أثر للهلال مع توفر الظروف المناسبة، وهذا مستحيل. وأمريكا قارة فيها آلاف المدن وآلاف المؤسسات الإسلامية و الجمعيات. إنه إن ظهر هلال في الجزيرة العربية، فعندما يحين وقت الغروب في أميركا الشمالية (أي بعد 11 ساعة) يكون زاد عمر الهلال أكثر من نصف يوم مما يجعله سهل الرؤية حتى لغير الخبراء. مما يؤكد قطعاً أن هذه المشاهدات التي في المشرق غير صحيحة.

 

هزاع: فمن المسؤول عن تحديد دخول رمضان، إن كانت المسألة متعلقة بالشهادة؟

أحمد: المسؤول الأخير هو القاضي الشرعي الذي ينظر في الشهود، ويقبل شهادتهم إن لم تتعارض مع الحسابات اليقينية. أما تحديد إمكانية رؤية الهلال و القول بصحة بداية الشهر من الناحية الفلكية فهو من اختصاص عالم الفلك العدل المسلم. إن مسؤولية القاضي الشرعي هي تحديد بداية الشهر وفقاً لما جاءه من شهادات. لكنه –غالباً– ليست لدية المعرفة الفلكية الكافية لمعرفة صحة الشهادة علمياً. و في المقابل فإنه لا يجوز للفلكي التصريح بوجوب قضاء اليوم أو عدمه لعدم اختصاصه في الفقه. لذلك فإنه لا يجوز لعامة الناس و الفقهاء ممن ليست لديهم معرفة فلكية كافية الإدلاء بتصريحات و فتاوى مثيرة للضحك و الخجل. و لو صمت من لا يفقه في الهلال شيئاً و ترك الأمر لعلماء الفلك المسلمين، لصام و أفطر المسلمون معاً. لكن للأسف ما يحصل اليوم يخالف ذلك. فشهادة شخص مخمور –كما حصل مرة في سوريا– كافية لإهمال جميع الحقائق الفلكية.

 

هزاع: فهل تريد أن تكون الكلمة للفلكيين في تحديد إمكانية الرؤية أم استحالتها؟

أحمد: ألا تُصلي حسب المواعيد التي تجدها في التقويم؟ و ألا تفطر في رمضان حسب الموعد الذي حسبه الفلكيون؟ فلم تصدقهم في هذه و تكذبهم في أخرى؟ أم أن علم الفلك توقف عندما أصبح الموضوع متعلقا بالهلال !

 

هزاع: هناك مقالة بعنوان "ملاحظات على أسباب الاختلاف بين الرؤية الشرعية والحساب الفلكي لهلال الشهر الإسلامي"، للدكتور محمد بخيت المالكي. قال فيها: «أغلب الأساليب والتعاريف الفلكية لبداية الشهر الإسلامي لا تتفق مع التعريفات الشرعية».

أحمد: لقد تعمد الدكتور سرد تعاريف وأساليب مهجورة لا يستعملها أحد. وقد اعترف ببعض ذلك. ويعترف أيضاً أن بعضها يتفق مع التعريف الشرعي (وهو ما يعتمده الفلكيون المسلمون الثقات). فالجواب على تعقيبه أننا نعتمد تعاريف لبداية الشهر الإسلامي تتفق مع التعريفات الشرعية، وكفى الله المؤمنين القتال.

 

هزاع: قال ابن بخيت: «تلك الطرق التي تحاول أن تتقرب من التعريف الشرعي لبداية الشهر الإسلامي، لا زالت تواجه بعضاً من النواقص في تعريفات متغيراتـها الأولية مثل:

أ) أثر الانكسار الجوي بدقة عالية (وهذا من الأمور الصعبة جداً).

ب) أثر ظاهرة السراب (وهو من الأمور الصعبة جداً).

جـ) الموقع الحقيقي للراصد وارتفاعه عن مستوى سطح البحر (وهذا ممكن لكن كل راصد سيُحسب له وحده)».

أحمد: كلامه صحيح. والنتيجة هو أننا نستطيع الجزم بعدم رؤية الهلال في بعض الحالات (مثلاً: إذا لم يولد الهلال بعد أو كان عمره صغيراً). ولكننا في بعض الحالات لا يمكننا أن نجزم بإمكانية رؤيته، ولكن من الممكن حساب مكان ووقت ظهوره (بدقة تقريبية لا بأس بها) ليساعدنا هذا بالحكم على شهادة من ادعى الرؤية. وهذا لا يخالف منهجنا في شيء. فنحن لا ندعو لإبدال الرؤية البصرية بالحساب الفلكي، وإنما ندعو لرد شهادة من ادعى الرؤية فيما أثبتت الأدلة القطعية الحسابية استحالة ذلك.

 

هزاع: المرصد الفلكي البصري لا يمكنه أن يكون بديلا منافسا للعين البشرية، بل قد يصبح وبالا عليها في حالة محاولة رؤية الهلال. وهو قريب من الشمس، حيث أنه لن يمكن رؤية الهلال هنا، لكن الراصد قد يفقد بصره خلال ثوان.

أحمد: نحن لم ندعُ أصلاً لاستعمال المرصد الفلكي البصري. أما أن الراصد يفقد بصره، فهذا إذا لم يكن التلسكوب مجهّزاً لهذا الغرض. وإلا فمن الممكن (بإضافة بعض التجهيزات) رؤية الشمس نفسها! وقد استطاع العلماء رصد حتى العواصف التي تحدث على سطح الشمس.

 

هزاع: ما رأيك بما يسمى بالتقويم الأبدي الذي اخترعه أحد المعاصرين؟

أحمد: هذا التقويم مجرد دجل وتنجيم. وهو شبيه بحسابات اليهود للأشهر. فلا هو قائم على الحسابات العلمية، ولا هو قائم على الرؤية البصرية. وإنما قواعد كاذبة مثل لا يجوز أن يكون هناك ثلاثة أشهر 30 يوماً، وأمثال ذلك. وتقويمه يتعارض مع الحسابات الفلكية القطعية، ويتعارض مع شهادات الرؤية البصرية. ثم إنه يزعم أن شهر رمضان دوماً يكون 30 يوماً، مع أنه قد ثبت في الصحيح وغيره أن رسول الله r وأصحابه قد صاموا رمضان لـ29 يوماً فقد عدة مرات.

 

هزاع: لكنه يزعم أن تقويمه يتطابق دوماً مع الرؤية البصرية، وأنه لم يحصل أن تعارض مع الرؤية  البصرية؟

أعلنت المملكة العربية السعودية وسائر دول الخليج أن الثلاثاء 25-11-2003 هو أول أيام عيد الفطر المبارك، وكانت هيئة علماء المسلمين السنية في العراق قد أعلنت من جانبها الأحد 23-11-2003 أن الإثنين 24-11-2003 هو أول أيام عيد الفطر. وذكرت أن 15 شاهداً قد شاهدوا الهلال. كما احتفلت ليبيا أيضا بعيد الفطر الإثنين. لكن التقويم الفلسفي المزعوم يعلن أن الثلاثاء هو يوم العيد.

هزاع: في المثال السابق، يظهر أن السعودية قد خالفت الرؤية البصرية في خارجها، فهل يمكن أن تعطي مثالاً آخر على ذلك؟
أحمد: نعم، فقد أعلنت عدة دول إسلامية بدء أول أيام رمضان اليوم الأحد 26-10-2003، ومنها مصر وفلسطين والأردن ونيجيريا واليمن، وجيبوتي وطاجيكستان وقيرغزستان والسودان. مع أنه وفق الحساب الفلكي، يجب أن يبدأ الاثنين وليس الأحد. وقد زعم الكثير رؤيته قبل ذلك، وزعموا رؤيته في مدينة الحديدة القريبة جداً من السعودية. ومع ذلك لم تقبل السعودية بشهادتهم، ولم تعلن بدء الصيام إلا يوم الاثنين.

 

هزاع: هل يمكن أن تعطي مثالاً على إثبات الشهر بسبب خطأ الرؤية؟
أحمد: هناك أمثلة تكرر كل سنة. فمثلاً ثارت مشكلة بمناسبة إثبات دخول شهر ذي الحجة لسنة 1425هـ. والسبب، كما هي العادة، اعتماد مجلس القضاء السعودي على شهادة أناس يشهدون بأنهم رأوا الهلال رؤية بصرية مباشرة، على النقيض من الواقع. حيث ادعى أعرابيّان رؤية الهلال ليلة الثلاثاء
مع أن رؤية الهلال مستحيلة بعد غروب شمس ذلك اليوم، لسبب بسيط هو: عدم وجوده فوق الأفق! وقد ذكر الشيخ اللحيدان (في مقابلة صحفية) أن هذين الشاهدين: «لا يخفى عليهم حال القمر لأنهم أهل رعي وإبل»، على حد تعبيره. وهذا من العجائب، فما دخل الرعي والبداوة في معرفة القمر؟ وهل معاشرة الإبل تقوي حال الشاهد؟ وكيف أن العالم الإسلامي بأكمله لا يرى الهلال، ثم يراه عجوزان بدويان؟ هذا مع إجماع الفلكيين على استحالة رؤية الهلال في ذلك اليوم لأنه لم يكن قد ولد أصلاً.

وقد ذهب مراسل "صحيفة الحياة" إلى "الرين" وحاول الاتصال بهما، لكنه أبلغ بأنهما لا يريدان لقاء أحد «لخوفهما من الحسد، وأنهما يتهيآن للحج». وهناك سبب ثالث وهو أنهما مُنِعا من مقابلة أحد إلا بشروط معينة. وأشار المراسل إلى وصف بعض الناس لهما ببعض الأوصاف التي لا تدل على أنهما يتميزان بشيء خارق للعادة. كما ذهب وفد من المتخصصين بعلم الفلك من مدينة عبد العزيز للعلوم والتقنية إلى تلك المنطقة ونجح في مقابلة الشاهدين. وقد وجدهما كبيرين في السن يتجاوز عمر كل واحد منهما الثمانين!

ومن المؤسف أن تلك الشهادات الباطلة لا تأتي عادة إلا من أصحاب النظارات السوداء. فإن الذي يعيش عمره في الصحراء القاحلة، يتأثر بصره بانعكاس الشمس القوية على الرمال الصفراء، مما يؤدي إلى ضعف البصر عند الكبر. ولذلك يكثر بينهم من يلبس النظارات السوداء. والعجيب أن يقوم البعض باعتبار هذه ميزة! بل ويزعم المستحيل بأن لهم قدرة على رؤية الهلال والنجوم في الظهيرة. مع أنه حتى العوام يعرفون استحالة ذلك، حتى أنهم يقولون في المثل: سأريك نجوم الظهر، لأن هذا لا يمكن أن يكون إلا في حالة مرض الرائي. لكن يقول الشيخ صالح اللحيدان في مقابلة مع جريدة الرياض (العدد 12644، بتاريخ 4 ذي الحجة 1423هـ): «والذين يرون الهلال من القدم (عشرات السنين مضت) يخبرون أنه احتمال أن القمر يهل قبل صلاة العصر أو بعدها، لأنهم يرون الهلال حتى مع بقاء الشمس، كالذين يرون عددا من النجوم في الضحى فأبصار الناس تختلف».

 

هزاع: ما رأيك بمقولة: لا كسوف إلا في استسرار؟

أحمد: هي مقولة صحيحة لكن البعض يستخدمها استخداماً خاطئاً، حيث يعتبر ولادة الهلال هو نهاية الاستسرار. وسأعطيك مثالاً على هذا الخلل: الفلكيون جميعا قالوا إن هلال شوال يولد يوم الأحد 23 تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2003 الساعة الحادية عشرة مساءً بتوقيت غرينتش. والفلكيون جميعا قالوا إن الكسوف الكلي سيبدأ في نفس وقت ولادة الهلال (وهذا بديهي)، يعني الساعة الحادية عشرة مساء وينتهي في ذروته الساعة الثانية صباحاً تقريباً بتوقيت غرينتش. وهو ما حصل بالضبط. ومعنى هذا أن الكسوف لم يحصل في حالة الاستسرار، بل في حالة ولادة شهر جديد. إذ أن الاستسرار هو محاق نهاية الشهر، ولكن الكسوف حصل بعد المحاق. إلا إن قلنا بأن الاستسرار يعتبر لحد رؤية الهلال الجديد، فالمقولة لا شك في صحتها.

 

هزاع: هل يعني ذلك أن الكسوف يمكن أن يكون بداية للشهر الجديد؟

أحمد: قطعاً لا، بل معنى ذلك ولادة الهلال فحسب. وأما إمكانية رؤيته فلا بد أن يمض عليه مدة من الزمن غالباً ما تكون 18 ساعة. فإذا شوهد الكسوف نهار السبت مثلاً، كان الاثنين بداية الشهر الذي بعده، على الأرجح.

 

هزاع: هل معنى هذا أن جميع من رأوا الهلال كانوا واهمين في رؤيتهم؟

أحمد: هذا قطعي، لأن الهلال لم يكن قد ولد بعد. فمن المسلمات أن الكسوف هو لحظة اقتران القمر بالشمس. فهو الحد الفاصل بين شهرين –أي لحظة ولادة الهلال، و ولادة الهلال ليست معتبرة شرعاً في بدء الشهر إلا أننا نتكلم هنا عن إمكانية الرؤية–. فلا بد من رد شهادة من ادعى رؤية الهلال قبل كسوف الشمس، فإنما هو خيل إليه (إن أحسنا الظن). ولو فرضنا جدلاً أنهم رأوا الهلال فعلاً، لكان هذا هلال رمضان وليس هلال شوال، لأن الاقتران لم يحدث بعد. فهؤلاء ينطبق عليهم قول الشاعر:

و إنّي بشهرِ الصومِ إذ بانَ شامتٌ * و إنكَ يا شـوّالُ لـي لصديـقُ

 

هزاع: لكن قيل أنه في اليوم الثاني (وهو الأول في الحساب الفلكي) ظهر الهلال كبيراً نوعاً ما وكأن عمره يومين.

أحمد: هذا الكلام مخالف للشرع الله عز وجل. فقد روى الإمام مسلم في صحيحه في باب "‏بيان أنه لا اعتبار بكبر الهلال وصغره" عن أبي البختري قال: خرجنا للعمرة. فلما نزلنا ببطن نخلة قال: تراءينا الهلال. فقال بعض القوم: هو ابن ثلاث. وقال بعض القوم: هو ابن ليلتين. قال: فلقينا ابن عباس،. فقلنا: إنا رأينا الهلال. فقال بعض القوم: هو ابن ثلاث. وقال بعض القوم: هو ابن ليلتين. فقال: أي ليلة رأيتموه؟ قال فقلنا: ليلة كذا وكذا. فقال: إن رسول الله r قال "إن الله مده للرؤية. فهو لليلة رأيتموه".

 

هزاع: وما هو التعليل العلمي لهذه الظاهرة؟

أحمد: هذا راجع لعمر الهلال. فلنفرض أنه كان عمره عند الغروب 16 ساعة، وهذا لا يمكن رؤيته بالعين المجردة عادة. ففي اليوم الثاني سيكون عمره 40 ساعة، أي سيكون كبيراً كأنه ابن ليلتين. أما لو كان عمره عند الغروب 18 ساعة، فسيظهر باهتاً نحيلاً للغاية.

 

هزاع: ماذا تقول في وحدة المطالع؟

أحمد: ثبت في صحيح مسلم (#1087) عن ابن عباس t أنه صام في المدينة السبت ولم يصم بصيام الشام الجمعة (رغم أن كلاهما دولة واحدة تابعة لمعاوية t)، وأثبت اختلاف المطالع. ثم قال: «هكذا أمرنا رسول الله r». والحديث في باب «بيان أن لكل بلد رؤيتهم وأنهم إذا رأوا الهلال ببلد لا يثبت حكمه لما بعد عنهم». وقد نقل الترمذي اتفاق علماء السلف على العمل به، إذ قال بعد أن صحح الحديث (3|76): «والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم: أن لكل أهل بلد رؤيتهم»، ولم يحك سواه.

والحق أن هذا إجماع صحيح نقله الحافظ الأندلسي ابن عبد البر في كتابه "الاستذكار" (1|283): «قد أجمعوا أنه لا تراعى الرؤية فيما أخر من البلدان كالأندلس من خراسان. وكذلك كل بلد له رؤيته، إلا ما كان كالمِصرِ الكبير، وما تقاربت أقطاره من بلاد المسلمين». وبذلك قال ابن رشد في بداية المجتهد (1|210): «وأجمعوا أنه لا يراعى ذلك في البلدان النائية كالأندلس والحجاز».

 

هزاع: ما هو النص الكامل للحديث؟

أحمد: روى الإمام مسلم: عن جماعة عن إسماعيل بن جعفر عن محمد بن أبي حرملة عن كريب: «أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام قال فقدمت الشام فقضيت حاجتها واستهل علي رمضان وأنا بالشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس t ثم ذكر الهلال، فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة. فقال: أنت رأيته؟ فقلت: نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية. فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه. فقلت: أو لا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا. هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم». و هذا النص الصحيح و ذاك الإجماع الصريح: أدل دليل و أوضح سبيل على عدم اعتبار الشرع ما سمي ب"الاشتراك في جزء من الليل" في العمل بوحدة رؤية الهلال فيما تباعد من البلاد.

هزاع: هذا رأي لابن عباس وحده.

أحمد: ليس هذا رأي ابن عباس وحده، بل هو رأي سائر الصحابة في المدينة، على كثرتهم آنذاك. ثم لا يعرف عن أحد من الصحابة أنكر ذلك عليهم، لا معاوية ولا غيره.

 

هزاع: فهو إذاً اجتهاد من ابن عباس وليس حديثاً مرفوعاً.

أحمد: قول ابن عباس في آخر الحديث: «لا، هكذا أمرنا رسول الله r": كلمة بتصريح رفع ذلك إلى النبي r -كما ذكر القرطبي و ابن حجر- و ليس اجتهاداً منه رضي الله عنه كما يدعي بعض المتأخرين. و محل قول ابن عباس هذا: هو سؤال كريب له: «أو لا تكتفي برؤية معاوية و صيامه» بالشام.

 

هزاع: ابن عبد البر يتساهل أحياناً في نقل الإجماع. وقد نفى الشوكاني انعقاد ذلك الإجماع بسبب الخلاف المنقول بين العلماء في اعتبار رؤية أهل بلد الهلال رؤية لغيره من البلاد و عدمه.
أحمد: لا يصح نفي ذلك الإجماع المذكور بدعوى ضعف إجماعات ابن عبد البر، فقد ذكره الإمام القرطبي وابن حجر وغيرهما، ولم يضعّفاه، و قبلاه وأقراه. واعتراض الشوكاني غير صحيح، لتغاير محل الخلاف و الإجماع. إذ محل الإجماع هو: ما تباعد من البلاد، على نحو ما ذكرنا. ومحل الخلاف: بلاد المصر (القطر الكبير) و ما تقارب من البلدان، على ما ذكره الإمام أبو العباس القرطبي في كتابه "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" قال: «و هذا الإجماع الذي حكاه أبو عمر (ابن عبد البر): يدل على أن الخلاف الواقع في هذه المسألة: إنما هو فيما تقارب من البلاد، و لم يكن في حكم القطر الواحد». فلا تعارض. ولي أن أسأل: منذ ألف وأربعمئة سنة، هل اعتمدت الأمة الإسلامية وحدة المطالع؟

هزاع: لا، لعدم إمكانية تحقيق ذلك. أما اليوم فوسائل الاتصالات متوافرة بعد التقدم العلمي.

أحمد: إذا لم نكن نستطيع توحيد الصيام في البلد الإسلامي الواحد، فما بالك بالعالم الإسلامي كله؟ إن السعي إلى وحدة المسلمين في صيامهم وفطرهم، وسائر شعائرهم وشرائعهم، أمرٌ مطلوب دائماً، ولا ينبغي اليأس من الوصول إليه، ولا من إزالة العوائق دونه. ولكن الذي يجب تأكيده وعدم التفريط فيه بحال، هو: أننا إذا لم نصل إلى الوحدة الكلية العامة بين أقطار المسلمين في أنحاء العالم، فعلى الأقل يجب أن نحرص على الوحدة الجزئية الخاصة بين أبناء الإسلام في القطر الواحد. فلا يجوز أن نقبل بأن ينقسم أبناء البلد الواحد، أو المدينة الواحدة، فيصوم فريقٌ اليوم على أنه من رمضان، ويفطر آخرون على أنه من شعبان، وفي آخر الشهر تصومُ جماعة، وتُعَيِّد أخرى. فهذا وضع غير مقبول.

و من المثير للعجب استمرار تلك الدعوة بعد أن انقلبت إلى عكس الغرض المقصود منها. إذ أدت إلى تفرق أهل الوطن الواحد و اختلافهم في يوم بدء صومهم. فالبعض يصوم يوم ثبوت رؤية هلال بلده، بينما البعض الآخر في نفس القطر يصوم في يوم آخر تبعا لرؤية هلال قطر آخر! فكأننا نفترق في البلد الواحد لنجتمع مع البلد الآخر! تناقض ما بعده تناقض، حيث يفترق المتفق و يختلف المؤتلف في الوطن الواحد. فأيهما أولى بالوحدة؟ {أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير}؟ –و الباء تدخل على المتروك– {ما لكم كيف تحكمون}؟!

هزاع: هل يعني هذا أنك مؤيد لوحدة المطالع على المستوى السياسي على الأقل؟

أحمد: توحيد المطالع هو شيء خيالي لم يحدث البتة (اللهم إلا احتمال بمحض الصدفة) منذ وفاة النبي t إلى يومنا هذا. ومع إمكانية تحقيق توحيد المطالع في السابق، فإن هذا مستحيل اليوم بسبب اتساع رقعة البلاد التي يسكنها المسلمون. فإن الهلال أول ما يظهر في الغرب. فإذا فرضنا أن هلال رمضان لم يُرَ إلا في القارة الأمريكية ليلة الأحد، فلا يمكن لمسلمي إندونيسيا أن يبدؤوا صيامهم لأن الوقت عندهم يكون في ظهر يوم الاثنين. ويبدو الخلل أوضح عند عيد الفطر. وما يحدث حاليا في صيام الدول الإسلامية كل دولة بمفردها لا بأس به بسبب صغر مساحة تلك الدول. فإذا شوهد الهلال في القاهرة، فيصوم أهل الإسكندرية معهم. فالدول الإسلامية صغيرة محدودة المساحة. ولعل إندونيسيا هي الدولة الوحيدة التي تمتد لمسافة طويلة من الشرق إلى الغرب.

ثم المسألة فيها تعقيد. فلو قلنا بوحدة المطالع فهل معنى ذلك أنه عند حدوث خسوف للقمر في المشرق، يجوز لأهل المغرب أداء صلاة الخسوف؟! وها هم المسلمين لا يصلون في نفس الوقت، فهل هذه فرقة؟

 

 هزاع: هناك إشكال في مناطق شمالية متطرفة لا يظهر فيها الهلال إلا نادراً، فمن المستحيل الاعتماد على الرؤية المحلية. فنحن بحاجة إلى وحدة المطالع، على الأقل بالنسبة للأقاليم التي على نفس خط الطول. ولحل هذه مشكلة اقترح الدكتور الماليزي محمد إلياس أن يقسم الأرض إلى ثلاثة أقسام: القارات الأمريكية، أوربا أفريقيا و غرب آسيا، و شرق آسيا و معها أستراليا و جزر البحر الهادي. فإذا رئي في منطقة، بدأ الصوم بها، ثم تليها المناطق التي في غربها بالتوالي.

أحمد: ربما الأحسن من هذا أن يُنظر لأول نقطة يُرى فيها الهلال، فكل ما في غربها يُثبتون الهلال وكل ما في شرقها لا تثبت لهم رؤية الهلال.

 

هزاع: إذا كان الكلام كما تقول فمعنى ذلك: أن ينظر إلى مسلمي الصين فإن صاموا صمنا وإن أفطروا أفطرنا. وليس من حاجة إلى أن يخرج المسلمون في جميع أنحاء العالم ليروا الهلال.

أحمد: كلا، إن شوهد في الصين صمنا معهم، وإن لم يشاهد عندهم فقد يشاهد عندنا، فيجب علينا ترقبه.

  


 

ملحقات

فتوى ندوة الأهلة والمواقيت في الاعتماد على الحساب الفلكي

عُقدت ندوة الأهلَّة والمواقيت والتقنيات الفلكية في الكويت خلال الفترة بين 21 إلى 23 رجب 1409 هـ الموافق 2|27 - 1989|3|1م بتنظيم النادي العلمي الكويتي ومؤسسة الكويت للتقدم العلمي، وشارك فيها عدد من فقهاء الشريعة وعلماء الفلك في الدول العربية التالية: الأردن - الإمارات - الجزائر - السعودية - السودان - عُمان - فلسطين - قطر - الكويت - مصر - المغرب - اليمن. كما حضرها مندوبون عن مجمع الفقه الإسلامي بجدة، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، والاتحاد العربي لنوادي العلوم، وقد أصدرت الندوة التوصيات العلمية التالية:

(1) إذا ثبت رؤية الهلال في بلد وجب على المسلمين الالتزام بها ولا عبرة باختلاف المطالع لعموم الخطاب بالأمر بالصوم والإفطار.

(2) يؤخذ بالحسابات المعتمدة في حالة النفي (أي القطع باستحالة رؤية الهلال) وتكون الحسابات الفلكية معتمدة إذا قامت على التحقيق الدقيق (لا التقريب) وكانت مبنية على قواعد فلكية مسلمة وصدرت عن جمع من الفلكيين الحاسبين الثقات بحيث يؤمن وقوع الخلل فيها. فإذا شهد الشهود برؤية الهلال في الحالات التي يتعذر فلكيًا رؤيته فيها ترد الشهادة لمناقضتها للواقع ودخول الريبة فيها.

ومن هذه الحالات التي تستحيل فيها الرؤية:

(أ) إذا شهد الشهود برؤية الهلال قبل الوقت المقدر له بالحساب الفلكي، وهو وجوده في الأفق بعد غروب الشمس، فلا عبرة بالشهادة على رؤية الهلال قبل حصول الاقتران أو إذا تزامنت الشهادة مع الاقتران، سواء أكان الاقتران مرئيًا كالكسوف، أم غير مرئي مما تحدده الحسابات الفلكية المعتمدة. وهذه الحالة نص عليها عدد من فقهاء المسلمين كابن تيمية والقرافي وابن القيم وابن رشد.

(ب) إذا شهد الشهود برؤية الهلال بعد الغروب في اليوم الذي رئي فيه القمر صباحًا قبل شروق الشمس. فلا عبرة بالشهادة على هذه الرؤية.

(3) رؤية الهلال هي الأصل في إثبات دخول الشهر، ويُستعان بالحساب الفلكي في إثبات الأَهِلَّة بالرؤية، وذلك بتحديد ظروف الرؤية في اليوم والساعة والجهة وهيئة الهلال، ولكن لا يكتفى بالحساب للإثبات بل لا بُدَّ من الشهادة المعتبرة على رؤيته. فإن دلَّ الحساب على إمكانية الرؤية وعدم الموانع الفلكية ولم يُرَ الهلال وجب إكمال عدة الشهر ثلاثين.

(4) في البلاد التي لا تتمايز فيها بعض الأوقات، كالعشاء والفجر، لعدم غيبوبة الشفق، أو عدم غروب الشمس، أو عدم طلوع الفجر يؤخذ لتحديد أوقات الصلوات التي اختفت علاماتها، بمبدأ (التقدير المطابق) بأن يجرى على تلك البلاد توقيت أقرب بلد تتمايز فيه تلك الأوقات، مع مراعاة كون البلد الأقرب على نفس خط الطول. وهذا المبدأ مُستمد من مذهب المالكية وهو يُحقق اليسر ورفع الحرج. وتقترح الندوة اهتمام الفلكيين بتحديد أوقات الصلوات لهذه المناطق طبقًا لمبدأ (التقدير النسبي) وهو مذهب الشافعية، وذلك بحساب النسبة بين الوقت وبين الليل وفي البلد الأقرب على خط الطول نفسه ومراعاة ذلك بالنسبة أيضًا في البلد الآخر.

(5) الاعتماد بصفة أساسية على التقويم الهجري وربط المعاملات والميزانيات والمرتبات به، لأنه المعمول عليه في العبادات والأحكام وكذلك في الحقوق الشرعية عند الإطلاق.

 


فتوى اللجنة الدائمة في بطلان توحيد المطالع

السؤال: نحن الطلبة المسلمين في الولايات المتحدة وكندا يصادفنا في كل بداية لشهر رمضان مشكلة تسبب انقسام المسلمين إلى ثلاث فرق:

1- فرقة تصوم بتحري الهلال في البلدة التي يسكنون فيها.

2- فرقة تصوم مع بداية الصيام في السعودية.

3- فرقة تصوم عند وصول خبر من اتحاد الطلبة المسلمين في أمريكا وكندا الذي يتحرى الهلال في أماكن متعددة في أمريكا، وفور رؤيته في إحدى البلاد يعمم على المراكز المختلفة برؤيته فيصوم مسلموا أميركا كلهم في يوم واحد على الرغم من المسافات الشاسعة التي بين المدن المختلفة.

فأي الجهات أولى بالاتباع والصيام برؤيتها وخبرها؟ أفتونا مأجوين أثابكم الله.

الجواب: الحمد لله.

أولاً: اختلاف مطالع الأهلة من الأمور التي علمت بالضرورة حساً وعقلاً، ولم يختلف فيها أحد من العلماء وإنما وقع الاختلاف بين علماء المسلمين في اعتبار اختلاف المطالع وعدم اعتباره.

ثانياً: مسألة اختلاف المطالع وعدم اعتباره من المسائل النظرية التي للاجتهاد فيها مجال، والاختلاف فيها واقع ممن لهم الشأن في العلم والدين وهو من الخلاف السائغ الذي يؤجر فيه المصيب أجرين أجر الاجتهاد وأجر الإصابة، ويؤجر فيه المخطئ أجر الاجتهاد. وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين: فمنهم من رأى اعتبار اختلاف المطالع، ومنهم من لم ير اعتباره واستدل كل فريق منهما بأدلة من الكتاب والسنة، وربما استدل الفريقان بالنص الواحد، كاشتراكهما في الاستدلال بقوله تعالى: ( يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ) سورة البقرة | 189 وبقوله r: ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ) الحديث، وذلك لاختلاف الفهم في النص وسلوك كل منهما طريقاً في الاستدلال به..

ثالثاً: نظر مجلس الهيئة في مسألة ثبوت الأهلة بالحساب وما ورد في ذلك من أدلة في الكتاب والسنة واطلعوا على كلام أهل العلم في ذلك فقرروا بإجماع: عدم اعتبار حساب النجوم في ثبوت الأهلة في المسائل الشرعية لقول r: ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ) الحديث، وقوله r: ( لا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه ) الحديث، وما في معنى ذلك من الأدلة.

وترى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء أن اتحاد الطلبة المسلمين ( أو غيره ممن يمثّل الجالية الإسلامية ) في الدول التي حكوماتها غير إسلامية يقوم مقام حكومة إسلامية في مسألة إثبات الهلال بالنسبة لمن يعيش في تلك الدول من المسلمين. وبناء على ما سبق ذكره يكون لهذا الاتحاد حق اختيار أحد القولين: إما اعتبار اختلاف المطالع وإما عدم اعتبار ذلك، ثم يعمّم ما رآه على المسلمين في الدولة التي هو فيها، وعليهم أن يلتزموا بما رآه وعمّمه عليهم، توحيداً للكلمة ولبدء الصيام وخروجاً من الخلاف والاضطراب وعلى كل من يعيش في تلك الدول أن يتراءوا الهلال في البلاد التي يقومون فيها، فإذا رآه ثقة منهم أو أكثر صاموا بذلك وبلغوا الاتحاد ليعمم ذلك، وهذا في دخول الشهر، أما في خروجه فلا بد من شهادة عدلين برؤية هلال شوال أو إكمال رمضان ثلاثين يوماً، لقول رسول الله r: ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين يوماً ) والله أعلم.

فتاوى اللجنة الدائمة (10|109).

 

  

فتوى ابن عثيمين في بطلان توحيد المطالع 

وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عمن ينادي بتوحيد الأمة في الصيام، وربط المطالع كلها بمطالع مكة، فقال:

هذا من الناحية الفلكية مستحيل؛ لأن مطالع الهلال كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تختلف باتفاق أهل المعرفة بهذا العلم. وإذا كانت تختلف، فإن مقتضى الدليل الأثري والنظري أن يجعل لكل بلد حكمه.

أما الدليل الأثري فقال الله تعالى: ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) البقرة|185. فإذا قُدِّرَ أن أناسا في أقصى الأرض ما شهدوا الشهر -أي: الهلال- وأهل مكة شهدوا الهلال، فكيف يتوجه الخطاب في هذه الآية إلى من لم يشهدوا الشهر؟! وقال النبي r: ( صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ ) متفق عليه، فإذا رآه أهل مكة مثلاً فكيف نلزم أهل باكستان ومن وراءهم من الشرقيين بأن يصوموا، مع أننا نعلم أن الهلال لم يطلع في أفقهم، والنبي r علق ذلك بالرؤية.

أما الدليل النظري فهو القياس الصحيح الذي لا تمكن معارضته، فنحن نعلم أن الفجر يطلع في الجهة الشرقية من الأرض قبل الجهة الغربية، فإذا طلع الفجر على الجهة الشرقية، فهل يلزمنا أن نمسك ونحن في ليل؟ الجواب: لا. وإذا غربت الشمس في الجهة الشرقية، ولكننا نحن في النهار فهل يجوز لنا أن نفطر؟ الجواب: لا. إذاً الهلال كالشمس تماما، فالهلال توقيته توقيت شهري، والشمس توقيتها توقيت يومي، والذي قال: ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ) البقرة|187. هو الذي قال: ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) فمقتضى الدليل الأثري والنظري أن نجعل لكل مكانٍ حكماً خاصًّا به فيما يتعلق بالصوم والفطر، ويربط ذلك بالعلامة الحسية التي جعلها الله في كتابه، وجعلها نبيه محمد r في سنته ألا وهي شهود القمر، وشهود الشمس، أو الفجر. انتهى من فتاوى أركان الإسلام ص 451.

 

http://63.175.194.25/index.php?ln=ara&ds=qa&lv=browse&QR=50487&dgn=4 

أولها: أن الشهر يثبت بالإكمال في حال الغيم بنص الأحاديث المعروفة التي ستأتي في أدلة أصحاب الرأي الثاني، ولذلك لا تشترط رؤية الهلال بعد غروب شمس اليوم الثلاثين لإثبات دخول الشهر باتفاق، لأن وجوده في هذه الحالة لا شك فيه، فالعبرة إذن بتيقن وجوده مع إمكان رؤيته لو لم يحل دون ذلك غمام .

قياساً على مواقيت الصلاة