متى تكون الاستعانة بالكافر جائزة؟ ومتى تكون كفرا؟

الاستعانة بالكافر ضد الكافر جائزة، فقد استعان النبي صلى الله عليه وسلم باليهود وعقد معهم معاهدة للدفاع عن المدينة. واستعان ببعض المشركين في غزوة حنين مثل صفوان بن أمية واستعار منه دروعا. وحالف عددا من القبائل التي كانت على الشرك.

وفي الحديث الصحيح عند أبي داود وأحمد: «ستُصَالِحون الرومَ صُلْحاً آمِناً، وتَغزُون أنتم وهم عَدُوّاً من ورائِكم...». أي يتحالف المسلمون والنصارى لقتال عدو مشترك.

أما عندما يكون العدو مسلما، فيجب هنا التفريق بين الاستعانة بالكفار لقتال مسلمين. وبين مظاهرة الكفار على المسلمين.

المثال الأول: جماعة مسلمة استعانة بالكفار على جماعة مسلمة أخرى، بحيث تكون الغلبة للمسلمين. أي لما انتصرت الجماعة الأولى المسلمة بقي الحكم لها وليس للكفار. ففي هذه الحالة: إن كانت الجماعة الثانية معتدية باغية وكانت الجماعة المسلمة الأولى محتاجة للاستعانة بالكفار، كان ذلك الفعل جائرا ولا إثم عليهم.

وإن لم تكن الجماعة الثانية من الخوارج أو البغاة كانت الجماعة الأولى آثمة فاسقة، ولا تكفر.

المثال الثاني: جماعة مسلمة أعانت دولة كافر تحارب المسلمين وتحتل بلدهم، وإن حدثت الغلبة كان الحكم للكفار. ففي هذه الحالة تكفر الجماعة المسلمة ويحكم عليها بالردة، لأنها ساعدت على نشر الكفر والتمكين له.

قال الإمام ابن حزم الأندلسي في المحلى بالآثار (12|126): «وأما من حَمَلَتهُ الحَمِيَّةُ من أهلِ الثَّغرِ من المسلمين فاستعانَ بالمُشركينَ الحربيّينَ، وأطلقَ أيديَهُم على قتْلِ من خالفهُ من المسلمينَ، أو على أخذِ أموالهِم، أو سَبْيِهِمْ. فإن كانت يدُهُ هي الغالبةُ وكان الكفار له كأتباع، فهو هالكٌ في غايةِ الفُسوقِ، ولا يكون بذلك كافراً، لأنه لم يأتِ شيئاً أوجبَ به عليه كُفرا: قرآنٌ أو إجماع. وإن كان حُكْمُ الكفارِ جارياً عليهِ، فهو بذلك كافرٌ».

والبعض اليوم يستغرب من أن الحالة الأولى جائزة، لذلك أحببت نقل عدد من أقوال العلماء. وسترى أن المذاهب الأربعة تجيز الاستعانة في حال الضرورة (وبعضهم ذكر عند الحاجة). أما في حال عدم الضرورة فلم يجيزه إلا الأحناف.

قال ابن قدامة الحنبلي (620هـ) في المغني (8|529): «وقال أصحاب الرأي (أي الحنفية): لا بأس أن يستعين عليهم بأهل الذمة والمستأمنين وصنف آخر منهم، إذا كان أهل العدل هم الظاهرين على من يستعينون به. ولنا (أي الحنابلة)، أن القصد كفهم، وردهم إلى الطاعة، دون قتلهم، وإن دعت الحاجة إلى الاستعانة بهم، فإن كان يقدر على كفهم، استعان بهم، وإن لم يقدر، لم يجز».

وقال زكريا الأنصاري (فقيه شافعي ت926هـ) في منهج الطلاب في فقه الإمام الشافعي رضي الله عنه (ص157) عن البغاة: «ولا يُستعانُ عليهم بكافرٍ إلا لضرورة».

وأصل الكلام ما ذكره الإمام النووي في روضة الطالبين (10|60): «لا يجوز أن يُستعان عليهم بكفار... إلا أن يحتاج إلى الاستعانة بهم، فيجوز بشرطين، أحدهما: أن تكون فيهم جرأة وحسن إقدام، والثاني: أن يتمكن من منعهم لو ابتغوا أهل البغي بعد هزيمتهم، ولا بد من اجتماع الشرطين لجواز الاستعانة، كذا حكاه ابن الصباغ والروياني وغيرهما عن اتفاق الأصحاب ولفظ البغوي يقتضي جوازها بأحدهما».

وقال الشربيني الشافعي (977هـ) في الإقناع (2|549): «وَلَا يستعان عَلَيْهِم بِكَافِر لِأَنَّهُ يحرم تسليطه على الْمُسلم إِلَّا لضَرُورَة».

وقال الرملي الشافعي (1004هـ) في نهاية المحتاج (7|407): «يجوز الاستعانة بهم عند الضرورة».

وقال البهوتي الحنبلي في شرح منتهى الإرادات (3|390) عن البغاة: «(و) يحرم (استعانة) عليهم (بكافر) لأنه تسليط له على دماء المسلمين وقال تعالى: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} [النساء: 141] (إلا لضرورة) كعجز أهل الحق عنهم (وكفعلهم) بنا (إن لم نفعله) بهم فيجوز رميهم بما يعم إتلافه إذا فعلوه بنا لو لم نفعله، وكذا الاستعانة بكافر». وقد قال الله تعالى: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه}.

وقال ابن حزم الظاهري (456هـ) في كتابه المُحلّى بالآثار (11|355): «فإن أشرفوا على الهلكة واضطروا ولم تكن لهم حيلة، فلا بأس بأن يلجئوا إلى أهل الحرب».

وفي الموسوعة الفقهية الكويتية (8|150): «اتفق المالكية والشافعية والحنابلة على تحريم الاستعانة بالكفار في قتال البغاة؛ لأن القصد كفهم لا قتلهم، والكفار لا يقصدون إلا قتلهم، وإن دعت الحاجة إلى الاستعانة بهم، فإن كان من الممكن القدرة على كف هؤلاء الكفار المستعان بهم جاز.

ويتفق الحنفية مع الجمهور في أنه لا يحل الاستعانة بأهل الشرك إذا كان حكم أهل الشرك، هو الظاهر. أما إذا كان حكم أهل العدل هو الظاهر فلا بأس بالاستعانة بالذميين وصنف من البغاة، ولو لم تكن هناك حاجة؛ لأن أهل العدل يقاتلون لإعزاز الدين، والاستعانة على البغاة بهم كالاستعانة عليهم بأدوات القتال».