الطلاق المُعَلَّق

الـطَّـلاق الـمُـعَـلـَّق: أي أن يقول الرجل لامرأته: إن حصل كذا فأنت طالق، أو عَلَيَّ الطلاق إذا لم يحصل كذا.

علماء المذاهب الأربعة يقولون بأن هذا الطلاق يقع. وابن تيمية وداود الظاهري وبعض الفقهاء يرون أن هذا إذا كان نية الرجل اليمين (أي لم ينو الطلاق وإنما نوى المنع والتهديد)، يكفيه كفارة يمين، وإلا يقع الطلاق. لكن الإمام ابن حزم الظاهري لا يرى وقوع الطلاق المعلق أصلاً. ونقل ذلك عن جماعة من السلف. وقاسه (رغم ظاهريته) على الزواج المعلق (وعلى الرجعة المعلقة) الذي نقل الاتفاق على عدم وقوعه. بمعنى إذا كان عقد النكاح: «أنكحتك ابنتي إذا صار كذا وكذا»، لم يقع باتفاق العلماء. وإذا قال الرجل «إذا دخلت الدار فقد رجعت إلى امرأتي»، وهذا لا يقع كذلك. فطالما أن هذا لا يقع باتفاق العلماء، فمن الأولى -برأي ابن حزم- أن لا يقع الطلاق المعلق «إذا صار كذا فامرأتي طالق». وهذا الإلزام أراه قوياً للغاية.

قال مبيناً مذهبه. «#1966 – مسألة: من قال: "إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق"، أو ذكر وقتا ما، فلا تكون طالقا بذلك: لا الآن، ولا إذا جاء رأس الشهر. برهان ذلك: أنه لم يأت قرآن ولا سنة بوقوع الطلاق بذلك. وقد علَّمنا الله الطلاق على المدخول بها، وفي غير المدخول بها، وليس هذا فيما علمنا {ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه}. وأيضاً فإن كان كل طلاق لا يقع حين إيقاعه، فمن المحال أن يقع بعد ذلك في حين لم يوقعه فيه». وقد تحدث عنها في المحلى (10|205 إلى 216) فمما قاله باختصار:

وقالوا قسناه على النذر قلنا القياس كله باطل. ثم لو صح لكان هذا منه باطلاً، لأن النذر جاء فيه النص، ولم يأت في تقديم الطلاق قبل النكاح نص. والنذر شيء يتقرب به إلى الله عز وجل، وليس الطلاق مما يتقرب به إلى الله عز وجل، ولا مما ندب الله تعالى عباده إليه وحضهم عليه. وهم لا يخالفوننا في أن من قال "عليّ نذر لله تعالى أن أطلق زوجتي"، أنه لا يلزمه طلاقها. وهذا يبطل عليهم تمويههم في ذلك بقوله تعالى {أوفوا بالعقود} المائدة، لأن الطلاق عقد لا يلزم الوفاء به لمن عقده على نفسه، بمعنى عقد أن يطلق إلا أنه لم يطلق. فليس الطلاق من العقود التي أمر الله تعالى بالوفاء بها قبل أن توقع. وقالوا قسناه على الوصية. قال أبو محمد: وهذا من أرذل قياساتهم وأظهرها فسادا، إلا أن الوصية نافذة بعد الموت. ولو طلق الحي بعد موته لم يجز. والوصية قربة إلى الله عز وجل، بل هي فرض. والطلاق ليس فرضا ولا مندوبا إليه، وما وجدنا لهم (في) هذا (سلفاً). وهو قول لم يصح عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم...

ثم نظرنا في قول من ألزمه إن خص ولم يلزمه إن عم، فوجدناه فرقا فاسدا ومناقضة ظاهرة. ولم نجد لهم حجة أكثر من قولهم "إذا عم فقد ضيق على نفسه". فقلنا ما ضيق، بل له في الشراء فسحة. ثم هبك أنه قد ضيق، فأين وجدتم أن الضيق في مثل هذا يبيح الحرام؟ وأيضا فقد يخاف في امتناعه من نكاح التي خص طلاقها إن تزوجها، أكثر مما يخاف لو عم لكلفه بها. فوضح فساد هذا القول لتعريه عن البرهان جملة. ووجدناه أيضا لا يصح عن أحد من الصحابة، لأنه إما منقطع وإما من طريق محمد بن قيس المرهبي وليس بالمشهور. ثم رجعنا إلى قولنا فوجدنا الله تعالى يقول {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ...} (1) سورة الطلاق . وقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ ...} (49) سورة الأحزاب. فلم يجعل الله تعالى الطلاق إلا بعد عقد النكاح. ومن الباطل أن لا يقع الطلاق حين إيقاعه ثم يقع حين لم يوقعه، إلا ببرهان واضح. ووجدناه إنما طلق أجنبية، وطلاق الأجنبية باطل.

ثم ذكر إلزامات قوية فقال:

والعجب أن المخالفين لنا أصحاب قياس بزعمهم، ولا يختلفون فيمن قال لامرأته: "إن طلقتك فأنت مرتجعة مني"، فطلقها، أنها لا تكون مرتجعة حتى يبتدئ النطق بارتجاعه لها.
ووجدناهم لا يختلفون فيمن قال: "إذا قدم أبي فزوجيني من نفسك فقد قبلت نكاحك"، فقالت هي -وهي مالكة أمر نفسها-: "وأنا إذا جاء أبوك فقد تزوجتك ورضيت بك زوجا"، فقدم أبوه، فإنه ليس بينهما بذلك نكاح أصلا.
ولا يختلفون فيمن قال لآخر: "إذا كسبت مالا فأنت وكيلي في الصدقة به"، فكسب مالا، فإنه لا يكون الآخر وكيلا في الصدقة به إلا حتى يبتدئ اللفظ بتوكيله. فلا ندري من أين وقع لهم جواز تقديم الطلاق والظهار قبل النكاح، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وكذلك لا يختلفون فيمن قال لآخر: "زوجني ابنتك إن ولدت لك من فلانة"، فقال الآخر: "نعم قد زوجتك ابنتي إن ولدتها لي فلانة". فولدت له فلانة ابنة، فإنها لا تكون له بذلك زوجة.
ولا يختلفون فيمن قال لآخر: "إذا وكلتني بطلاق امرأتك فلانة، فقد طلقتها ثلاثا". ثم وكله الزوج بطلاقها، أنها لا تكون بذلك طالقا. ولا يختلفون فيمن قال: "إن تزوجت فلانة، فهي طالق ثلاثا". فتزوجها، فطلقها إثر تمام العقد ثلاثا، ثم أتت بولد لتمام ستة أشهر من حين ذلك فإنه لاحق به. وهذه كلها مناقضات فاسدة، وبالله تعالى التوفيق.

1973 مسألة: واليمين بالـ(طلاق) لا يلزم. وسواء بَرّ أو حنث، لا يقع به ولا طلاق إلا كما أمر الله عز وجل. ولا يمين إلا كما أمر الله عز وجل على لسان رسوله r. برهان ذلك قول الله عز وجل: {ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم} المائدة. والمخالفين لنا ههنا لا يختلفون في أن اليمين بالطلاق والعتاق والمشي إلى مكة وصدقة المال، فإنه لا كفارة عندهم في حنثه في شيء منه إلا بالوفاء بالفعل أو الوفاء باليمين. فصح بذلك يقينا أنه ليس شيء من ذلك يمينا. إذ لا يمين إلا ما سماه الله تعالى يمينا. وقول رسول الله r الذي رويناه من طريق أبي عبيد نا إسماعيل ابن جعفر نا عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن رسول الله r قال: «من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله». فارتفع الإشكال في أن كل حلف بغير الله عز وجل فإنه معصية وليس يمينا. وهذا مكان اختلف فيه...

أقول في هذا رد على ابن تيمية في أنه يرى تكفير يمين الطلاق، فإن اليمين بغير الله معصية ليس فيه كفارة، والله أعلم. ثم نقل ابن حزم عن بعض السلف ما وافق قوله من إبطال الطلاق المعلق فقال:

وممن رُويَ عنه مثل قولنا، كما روينا من طريق حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن: أن رجلا تزوج امرأة وأراد سفرا، فأخذه أهل امرأته فجعلها طالقا إن لم يبعث بنفقتها إلى شهر، فجاء الأجل ولم يبعث إليها بشيء. فلما قدم خاصموه إلى علي، فقال علي «اضطهدتموه حتى جعلها طالقا؟!»، فردها عليه.
ومن طريق عبد الرزاق عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن شريح أنه خوصم إليه في رجل طلق امرأته إن أحدث في الإسلام حدثاً. فاكترى بغلا إلى "حمّام أعين"، فتعدى به إلى أصبهان، فباعه واشترى به خمرا! فقال شريح «إن شئتم شهدتم عليه أنه طلقها». فجعلوا يرددون عليه القصة، ويردد عليهم. فلم يره حدثاً.
قال ابن حزم: لا متعلق لهم بما رُويَ من قول علي رضي الله عنه "اضطهدتموه"، لأنه لم يكن هنالك إكراه، إنما طالبوه بحق نفقتها فقط. فإنما أنكر على اليمين بالطلاق فقط، ولم ير الطلاق يقع بذلك. وكذلك لا متعلق لهم بما في خبر شريح من قول أحد من رواه "فلم يره حدثا"، فإنما هو ظن من محمد بن سيرين... وهو ظنٌ خطأ. و ما نعلم في الإسلام أكثر (حدثاً) ممن تعدى من حمّام أعين -وهو على أميال يسيرة دون العشرة من الكوفة- إلى أصبهان -وهي أيام كثيرة من الكوفة- ثم باع بغل مسلم ظلماً واشترى بالثمن خمراً.
ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني ابن طاوس عن أبيه أنه كان يقول: «الحلف بالطلاق ليس شيئا». قلت: أكان يراه يمينا؟ قال: لا أدري.
فهؤلاء علي بن أبي طالب وشريح وطاوس لا يقضون بالطلاق على من حلف به فحنث، ولا يعرف لعلي في ذلك مخالف من الصحابة رضي الله عنهم. انتهى.

قلت: الحسن البصري لم يسمع من علي بن أبي طالب، لكن الرواية عن شريح وطاوس في غاية الصحة. فطالما أنه صح عن اثنين من السلف إبطال الطلاق المعلق، فلا إجماع في هذه المسألة كما توهم البعض. وبالتالي فإلزامات ابن حزم قوية للغاية، ومذهبه أصح المذاهب في إبطال الحلف بالطلاق. وأرفقها بالمسلمين. والله أعلم. ونقول للمتشددين:

ألا قل في الطلاق لمُوقِعِيه * بما في الشرع ليس له وجوبُ
غَلَوتم في ديانتكم غُلُوّاً * يَضيق ببعضه الشرع الرحيب
أراد اللّه تَيْسيراً وأنتم * من التعسير عندكم ضُروب


فائدة في تبيين الفرق بين النذر واليمين

قال ابن رشد الحفيد في بداية المجتهد (1|410): المسألة الثالثة: واتفق الجمهور في الأيمان التي ليست إقساما بشيء وإنما تخرج مخرج الإلزام الواقع بشرط من الشروط مثل أن يقول القائل: "فإن فعلت كذا فعلي مشي إلى بيت الله" أو "إن فعلت كذا وكذا فغلامي حر أو امرأتي طالق" أنها تلزم في القُرَبِ وفيما إذا التزمه الإنسان لَزِمَهُ بالشرعِ مثل الطلاق والعتق (وقد تبين مما سبق بطلان ذلك الاتفاق). واختلفوا هل فيها كفارة أم لا؟ فذهب مالك إلى أن لا كفارة فيها، وأنه إن لم يفعل ما حلف عليه أثم ولا بد. وذهب الشافعي وأحمد وأبو عبيد وغيرهم إلى أن هذا الجنس من الأيمان فيها الكفارة، إلا الطلاق والعتق (وهو استثناء عجيب). وقال أبو ثور: يُكَـفّر من حلف بالعتق. وقول الشافعي مروي عن عائشة.

وسبب اختلافهم هل هي يمين أو نذر؟ فمن قال إنها يمين، أوجب فيها الكفارة لدخولها تحت عموم قوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} الآية. ومن قال إنها من جنس النذر: أي من جنس الأشياء التي نص الشرع على أنه إذا التزمها الإنسان لزمته قال: لا كفارة فيها. لكن يعسر هذا على المالكية لتسميتهم إياها أيمانا، لكن لعلهم إنما سموها أيمانا على طريق التجوز والتوسع. والحق أنه ليس يجب أن تسمى بحسب الدلالة اللغوية أيمانا، فإن الأيمان في لغة العرب لها صيغ مخصوصة. وإنما يقع اليمين بالأشياء التي تُعَظّم. وليست صيغة الشرط هي صيغة اليمين. فأما هل تسمى أيمانا بالعرف الشرعي وهل حكمها حكم الأيمان؟ ففيه نظر. وذلك أنه قد ثبت أنه عليه الصلاة والسلام قال: "كفارة النذر كفارة يمين" وقال تعالى: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} إلى قوله: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ}. فظاهر هذا أنه قد سمى بالشرع القول الذي مخرجه مخرج الشرط أو مخرج الإلزام دون شرط ولا يمين. فيجب أن تحمل على ذلك جميع الأقاويل التي تجري هذا المجرى، إلا ما خصصه الإجماع من ذلك مثل الطلاق (وقد تبين عدم وجود الإجماع، فلا يجب إخراج الطلاق من هذه القاعدة). فظاهر الحديث يعطي أن النذر ليس بيمين، وأن حكمه حكم اليمين.

وذهب داود وأهل الظاهر إلى أنه ليس يلزم من مثل هذه الأقاويل -أعني الخارجة مخرج الشرط- إلا ما ألزمه الإجماع من ذلك. وذلك أنها ليست بنذور فيلزم فيها النذر، ولا بأيمان فترفعها الكفارة. فلم يوجبوا على من قال: "إن فعلت كذا كذا فعلي المشي إلى بيت الله مشيا"، ولا كفارة. بخلاف ما لو قال: "عليّ المشي إلى بيت الله". لأن هذا نذر باتفاق وقد قال عليه الصلاة والسلام: "من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه". فسبب هذا الخلاف في هذه الأقاويل التي تخرج مخرج الشرط هو هل هي أيمان أو نذور؟ أو ليست أيمانا ولا نذورا؟ فتأمل هذا فإنه بين إن شاء الله تعالى.

وبذلك يتبين أن النذر لا يكون مشروطاً عند أهل الظاهر. وهذا أقرب للصواب، فلا يكون هناك نذر مُعلَّق. والله أعلم.


الطلاق في الحيض

الطلاق الجائز: هو أن يطلق الرجل امرأته بعد أن تطهر من الحيض وقبل أن يمسها، والطلاق بخلاف ذلك فيه معصية ويسمى بالطلاق البدعي. والدليل ما أورده البخاري عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما أنه طلق امرأتهُ وهيَ حائضٌ على عهد رسول الله r, فسأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه رسول الله r عن ذلك، فقال رسول الله r: مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تَطْهُرَ ثم إن شاء أمسكَ بعدُ، وإن شاء طَلَّق قبل أن يَمَسَ. فتلك العِدَةُ التي أمر الله أن تطلق لها النساء.

والطلاق البدعي حرام عند سائر العلماء. قال ابن قدامة في المغني (7|97): «فالطلاق في الحيض أو في طهر جامعها فيه، أجمع العلماء في جميع الأمصار وكل الأعصار على تحريمه. ويسمى طلاق البدعة لأن المطلِّق خالف السنة وترك أمر الله تعالى ورسوله». لكن هل يقع هذا الطلاق البدعي أم لا يقع؟ جماهير العلماء تقول بوقوعه، وقد نقل بعضهم الإجماع على ذلك. لكن رجح شيخ الإسلام ابن تيمية عدم وقوعه. وقد قال النبي r: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» (متفق عليه). والطلاق البدعي مخالفٌ لأمر الله ورسوله، فهو مردود لا يُعتد به. والعبادات إذا فُعلت على الوجه المحرم لم تكن لازمة صحيحة.

أما دعوى الإجماع فهي منقوضة، فقد نقل ابن حزم في المحلى (10|163): من طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه: أنه كان لا يرى طلاقاً ما خالف وجه الطلاق ووجه العدة، وكان يقول: «وجه الطلاق بأن يطلق طاهراً من غير جماع، وإذا استبان حملها». وقد أطال ابن الجوزية في استعراض أدلة الطرفين في كتابه زاد المعاد (5|221-240) فأجاد جداً. هذا وقد ذكر ابن تيمية، بأن قول النبي r: "مره فليراجعها"، المقصود به أن يمسكها، ولا يلزم منه أن طلاقه لها في الحيض قد حسب عليه. قال: «لما فارقها ببدنه كما جرت العادة إذا طلق امرأته اعتزلها ببدنه، واعتزلته ببدنها، فقال لعمر: مره فليراجعها، ولم يقل: فليرتجعها. والمراجعة مفاعلة من الجانبين: أي ترجع إليه ببدنها، فيجتمعان كما كانا، لأن الطلاق لم يلزمه. فإذا جاء الوقت الذي أباح الله فيه الطلاق، طلقها حينئذ إن شاء». وقال: «ولو كان الطلاق قد لزم لم يكن في الأمر بالرجعة ليطلقها طلقة ثانية فائدة. بل فيه مضرة عليهما، فإن له أن يطلقها بعد الرجعة بالنص والإجماع، وحينئذ يكون في الطلاق مع الأول، تكثير الطلاق، وتطويل العدة، وتعذيب الزوجين جميعا». وقال عن الفقهاء الذين قالوا بعدم وقوع طلاق البدعة: «قالوا لأنه لم يأمر ابن عمر رضي الله عنهما بالإشهاد على الرجعة كما أمر الله ورسوله، ولو كان الطلاق قد وقع وهو يرتجعها لأمر بالإشهاد». وقال في مجموع الفتاوى (33|525): «وأيضا فلو كان الطلاق المحرم قد لزم لكان حصل الفساد الذي كرهه الله ورسوله، وذلك الفساد لا يرتفع برجعة يباح له الطلاق بعدها. والأمر برجعة لا فائدة فيها مما يتنزه عنه الله و رسوله r».

كما أن مقصود تحريم الطلاق البدعي، منع وقوع الطلاق في زمان يكثر فيه عند غالب الناس، حفاظا على إبقاء عقد الزوجية، ودرءا لمفاسد الطلاق الكثيرة التي يبغضها الله تعالى. والقول بوقوع طلاق البدعة، يعود على هذه الحكمة الجليلة بالإبطال. مع الملاحظة أن هذه المسألة خاصة بالمرأة التي تحيض، فلا دخل للصغيرة ولا للعجوز ولا للحامل، بالإجماع. كما لا دخل للمرأة غير المدخول بها، ولا في حالة أن يكون الطلاق عن عوض (كالخلع).