السؤال: متى يجوز تعذيب المتهم بجريمة مثل المتهم بالسرقة؟
الجواب: بالنسبة لتعذيب المتهم، فقد اختلف الفقهاء في تفصيل هذا. فعلى سبيل المثال، لا يجوز أن يتم تعذيب رجل مسلم صالح لمجرد أن اتهمه أحد بالسرقة. أما لو تم القبض على لص واعترف بالسرقة، فيجوز تعذيبه من القاضي حتى يعترف أين أخفى المال المسروق. وحتى أختصر عليك البحث آتي بالموسوعة الكويتية الفقهية بعد اختصاره:
تَعْذِيبُ الْمُتَّهَمِ :
8 - قَسَّمَ الْفُقَهَاءُ الْمُتَّهَمَ بِسَرِقَةٍ وَنَحْوِهَا إِلَى ثَلاثَةِ أَقْسَامٍ :
إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُتَّهَمُ مَعْرُوفًا بِالصَّلاحِ ، فَلا تَجُوزُ عُقُوبَتُهُ اتِّفَاقًا .
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُتَّهَمُ مَجْهُولَ الْحَالِ لا يُعْرَفُ بِبِرٍّ وَلا فُجُورٍ ، فَهَذَا يُحْبَسُ حَتَّى يَنْكَشِفَ حَالُهُ ، وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ . وَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ الأَئِمَّةِ : أَنَّهُ يَحْبِسُهُ الْقَاضِي وَالْوَالِي.
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُتَّهَمُ مَعْرُوفًا بِالْفُجُورِ ، كَالسَّرِقَةِ ، وَقَطْعِ الطَّرِيقِ ، وَالْقَتْلِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ، فَيَجُوزُ حَبْسُهُ وَضَرْبُهُ ، كَمَا < أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزُّبَيْرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، بِتَعْذِيبِ الْمُتَّهَمِ الَّذِي غَيَّبَ مَالَهُ حَتَّى أَقَرَّ بِهِ > . وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ : مَا عَلِمْتُ أَحَدًا مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُ : إِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الدَّعَاوَى يَحْلِفُ ، وَيُرْسَلُ بِلا حَبْسٍ ، وَلا غَيْرِهِ . وَقَالَ الْبُجَيْرِمِيُّ : وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّرْبَ حَرَامٌ فِي الشِّقَّيْنِ ، أَيْ سَوَاءٌ كَانَ ضُرِبَ لِيُقِرَّ ، أَوْ لِيَصْدُقَ ، خِلافًا لِمَا تُوُهِّمَ حِلُّهُ إِذَا ضُرِبَ لِيَصْدُقَ .
وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ : وَاخْتَلَفُوا فِيهِ : هَلِ الَّذِي يَضْرِبُهُ الْوَالِي دُونَ الْقَاضِي ، أَوْ كِلاهُمَا ؟ أَوْ لا يُسَوَّغُ ضَرْبُهُ ، عَلَى ثَلاثَةِ أَقْوَالٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ يَضْرِبُهُ الْوَالِي وَالْقَاضِي ، وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ ، مِنْهُمْ أَشْهَبُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، فَإِنَّهُ قَالَ : يُمْتَحَنُ بِالْحَبْسِ وَالضَّرْبِ ، وَيُضْرَبُ بِالسَّوْطِ مُجَرَّدًا .
الْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّهُ يَضْرِبُهُ الْوَالِي دُونَ الْقَاضِي ، وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ، وَأَحْمَدَ .
الْقَوْلُ الثَّالِثُ : أَنَّهُ يُحْبَسُ وَلا يُضْرَبُ ، وَهَذَا قَوْلُ أَصْبَغَ ، ثُمَّ قَالَتْ طَائِفَةٌ ، مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، وَمُطَرِّفٌ ، وَابْنُ الْمَاجِشُونِ : إِنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يَمُوتَ (1) .
(1)المبسوط 9 / 195 و 24 / 51 ، 70 ، وابن عابدين 3 / 195 ، والمدونة 6 / 293 ، والدسوقي 4 / 345 ، والزرقاني 8 / 106 ـ 107 ، والطرق الحكمية 100 ـ 104 ، وحاشية البجيرمي 3 / 73 ، ونهاية المحتاج 5 / 71 .
9 - أَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي : وَهُوَ التَّعْذِيبُ غَيْرُ الْمَشْرُوعِ لِلإِنْسَانِ ، فَمِنْهُ تَعْذِيبُ الأَسْرَى ، فَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ عَدَمَ جَوَازِ تَعْذِيبِهِمْ ، لأَنَّ الإِِسْلامَ يَدْعُو إِلَى الرِّفْقِ بِالأَسْرَى ، وَإِطْعَامِهِمْ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا }. وَإِذَا كَانَ هُنَاكَ خَوْفُ الْفِرَارِ ، فَيَصِحُّ حَبْسُ الأَسِيرِ مِنْ غَيْرِ تَعْذِيبٍ ، وَإِذَا رُجِيَ أَنْ يَدُلَّ عَلَى أَسْرَارِ الْعَدُوِّ جَازَ تَهْدِيدُهُ وَتَعْذِيبُهُ بِالْقَدْرِ الْكَافِي ، لِتَحْقِيقِ ذَلِكَ ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ : مَا رُوِيَ عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : < أَنَّهُ أَمَرَ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ بِتَعْذِيبِ مَنْ كَتَمَ خَبَرَ الْمَالِ ، الَّذِي كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَاهَدَهُمْ عَلَيْهِ ، وَقَالَ لَهُ : أَيْنَ كَنْزُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ ؟ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، أَنْفَذَتْهُ النَّفَقَاتُ وَالْحُرُوبُ ، فَقَالَ : الْمَالُ كَثِيرٌ وَالْمَسْأَلَةُ أَقْرَبُ ، وَقَالَ لِلزُّبَيْرِ : دُونَكَ هَذَا . فَمَسَّهُ الزُّبَيْرُ بِشَيْءٍ مِنَ الْعَذَابِ ، فَدَلَّهُمْ عَلَى الْمَالِ > .
(3)شرح السير الكبير 3 / 1029 ، وفتح الباري 1 / 555 ، والتاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 3 / 353 ، والنووي شرح صحيح مسلم 13 / 87 .
لَكِنْ إِذَا كَانُوا يُعَذِّبُونَ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ يَجُوزُ مُعَامَلَتُهُمْ بِالْمِثْلِ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَإِِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } وَقَوْلُهُ أَيْضًا { وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } قَالَ الْبَاجِيُّ : لا يُمَثَّلُ بِالأَسِيرِ ، إِلا أَنْ يَكُونُوا مَثَّلُوا بِالْمُسْلِمِينَ . وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : قَتْلُ الأَسِيرِ بِضَرْبِ عُنُقِهِ ، لا يُمَثَّلُ بِهِ ، وَلا يُعْبَثُ عَلَيْهِ . قِيلَ لِمَالِكٍ : أَيُضْرَبُ وَسَطُهُ ؟ فَقَالَ : قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ { فَضَرْبَ الرِّقَابِ } لا خَيْرَ فِي الْعَبَثِ (4) .
(4) شرح السير الكبير 3 / 1029، وفتح الباري 1 / 555، والتاج والإكليل 3 / 353.
وقد جاء في الصحيح أن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قال لأحد اليهود: " مَا فعل مسك حييّ الَّذِي جَاءَ بِهِ من النَّضِير؟ " قَالَ: أذهبته النَّفَقَات والحروب. فَقَالَ: " الْعَهْد قريبٌ، وَالْمَال أَكثر من ذَلِك " وَقد كَانَ حييّ قتل قبل ذَلِك، فَدفع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَعْيه إِلَيّ الزبير، فمسه بعذابٍ. انتهى. فهذا دليل صريح على جواز تعذيب المتهم المعروف بالفجور حتى يعترف. وطبعا هناك فرق بين الاتهام المجرد بدون دليل، والاتهام المبني على قرينة، وهذا الأخير كان له قرينة لأن المال كان أكثر قبل عهد قريب. والله أعلم.