الرد على تضعيف الشيخ العلوان لحديث في صحيح مسلم

قرأنا للشيخ المحدث سليمان العلوان (حفظه الله) مقالة في بيان شذوذ زيادة "سفعاء الخدين" في حديث جابر t الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، وتلقاه العلماء بالقبول. إذ أخرج الإمام مسلم في صحيحه (6|152 نووي) والنسائي (3|186) وابن خزيمة في صحيحه (2|357) وغيرهم من طريق: عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن جابر بن عبد الله قال: شهدت مع رسول الله r الصلاة يوم العيد. فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة، ثم قام متوكئاً على بلال، فأمر بتقوى الله وحث على طاعته ووعظ الناس وذكرهم. ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن فقال: «تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم». فقامت امرأة من سطة النساء سفعاء الخدين، فقالت: لم يا رسول الله؟ قال: «لأنكنّ تكثرن الشكاة، وتكفرن العشير». قال: فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقرطتهن وخواتمهن.

 

فذهب إلى أن  هذه الزيادة «سفعاء الخدين» شاذة! وذلك لأنها من رواية عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي. وهو وإن كان من الثقات الحفاظ، إلا أنه قد خالف من هو أحفظ منه لحديث عطاء ألا وهو ابن جُريج. وحديث ابن جريج عن عطاء أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (3|278)، ومن طريقه البخاري (#978) ومسلم (#885)، ولم يذكر هذه الزيادة. قال الشيخ العلوان -عفا الله عنه-: «وحين نعلم أن ابن جريج أوثق من عبد الملك في عطاء، فإننا نقدم روايته، ونحكم على رواية عبد الملك بالشذوذ».

 

وقال الشيخ عبد العزيز الطريفي: «هي من عبد الملك قطعاً، فقد رواه عنه عشرة رجال، كلهم نقلوها عنه. مع أن هناك اختلاف بين بين حديثه وحديت ابن جريج. ولو صحت الزيادة فانها لا تدل على شيء، والعرب تقول هذه المقولة للمرأة حتى لو لم ترها والتي تشقى بعملها وكسبها وحياتها شقاء شديدا (كذا زعم دون دليل)، ولعل الراوي ساقها بالمعنى. وهذا جائز (!!) لكن أن تكون من حديث جابر فهذا بعيد». وهذا يظهر السبب الحقيقي حول تضعيف الزيادة وإن صححها العلماء وتلقوها بالقبول. فهذه اللفظة هي إحدى الأدلة الكثيرة التي أقضت مضاجع القائلين بوجوب تغطية المرأة لوجهها. إذ قال خصومهم: من أين عرف الراوي أن الصحابية سفعاء الخدين؟ والخد الأسفع هو الجامع بين الحمرة والسمرة. ما ذلك إلا لأنها مكشوفة الوجه. وفي رواية أخرى: «كنت أرى النساء وأيديهن تلقي الحلي في ثوب بلال». فلا الوجه عورة ولا اليد عورة. ولذلك فإن القائلون بالوجوب تارة ينتقصون تلك الصحابية فيصفونها بأنها من السلفة!! وطوراً يزعمون بأنها من القواعد (كذا بلا دليل) ومرة يدعون أنها (رضي الله عنها) ذات رعونة وقلة احتشام!!


والرد على ما سبق أن: عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي لم يخالف ابن جريج، بل هي زيادة الثقة التي لا تخالف. وهي مقبولة عند جمهور المتقدمين والمتأخرين. وعبد الملك بن أبي سليمان العرزمي ثقة ثبت من كبار الحفاظ (إنما عابوا عليه رفع حديث الشفعة)، وقال عنه ابن معين: ثقة صدوق لا يرد على مثله. وليس في ورايته هنا مخالفة، بل زيادة. وان كانت الزيادة تقبل، فتقبل في رواية الأثبات. وهذا ما نص عليه الحفاظ المتقدمون. ولهذا قبلوا زيادة مالك في صدقة الفطر، وقبلوا نحو هذه الزيادات. كلام الأئمة في هذا الباب لا يخفى عليكم. اللهم إلا أن يكون مذهب الرجل رد الزيادة مطلقاً، حتى وإن كانت من حافظ. وهذا يخالف نصوص وفعل أئمة الشأن.


فزيادة الحفاظ على الرواة مقبولة عند علماء الشان. قال الدرقطني في علله (2|74) و (2|182) و (3|97) و (9|280): «وزيادة الثقة مقبولة». وقال أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان في العلل (1|465): «زيادة الثقة مقبولة». وقال أبو زرعة في العلل (1|317): «إذا زاد حافظ على حافظ قُبِل». وقال البخاري: «الزيادة من الثقة مقبولة». فمنهج الشيخ العلوان مخالف لمنهج كبار أئمة المتقدمين.


فمن أين لنا اعتبار كل " كلمة " لم ترد في رواية أخرى هي زيادة في الحديث؟ والذي يظهر لي أن لفظة "سفعاء الخدين" ليست زيادة أصلاً قابلة للنقاش، لأنها وصف للمرأة التي ورد ذكرها وليست زيادة في القول أو الفعل. والذي يمكن اعتباره "زيادة " -والله أعلم- هو ما كان جملة فيها حكم خاص أو مخالفة لما في باقي الروايات. ومعلوم أنه لم يكن في الحديث ثمة خلاف ونقاش في "جواز أو حرمة كشف الوجه" حتى نعتبرها "زيادة" أصلاً !