المساجد التي تُبنى بالربا

 

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا} (المؤمنون:51)، وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم} (البقرة:172)، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمدّ يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذّي بالحرام، فأنّى يُستجاب له؟" رواه مسلم في صحيحه.

كثيراً ما نرى في بلاد الغرب مساجد تبنى من أموال حرام. فترى على رأس إدارة المسجد: رجل يبيع الخمر في محطة الوقود التي يملكها، وترى رجل يملك شركة قروض ربوية، و آخر يعتمد عمله على الاقتراض الربوي من البنوك. يعتقد الجاهلون أن هؤلاء هم قادة المجتمع لأنهم الذين يتكلمون ويبنون المساجد ويتحكمون بمن يعيّنوا من الأئمة. لكن الأمر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -وصدق رسول الله-: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلماء. فإذا لم يبق عالما، اتخذ الناس رؤساء جهالا، فسُئِلوا فأفتوا بغير عِلم، فضلوا وأضلوا" (متفق عليه).

وإذا تبرع واحد من هؤلاء بشيء من هذا المال الحرام ليعمر بها مسجداً، توالت عليه التشكرات وظنه الناس من الأولياء المحسنين، ونسوا أن الله طيّبٌ لا يقبل إلا طيّباً، وأن المصلحة -كل المصلحة- إنما هي باتباع ما شرعه الله... فلا أجر لمن تصدق بمال حرام. وعجبي لا ينقطع ممن يظن نفسه مأجور على دفع الربا. فهل الربا حلال حتى يتصدق المرء به؟ أم يوهمه الشيطان بأن بإمكانه تقديم رشوة إلى الله (سبحانه وتعالى عما يصفون)؟ ومثال هذا في مصر ظاهرة الراقصات الزانيات اللواتي يقمن بما يسمى بـ"موائد الرحمن" في رمضان، فيقدّمن طعاماً للفقراء، وتظن الواحدة منهن أن هذا يكفر عنها الإثم. كفار قريش في الجاهلية كانوا أفقه من هؤلاء! عندما قاموا بإعادة إعمار المسجد الحرام، اشترطوا على أنفسهم أن لا يكون ذلك إلا من مال حلال، مع قلة ذلك مما أدى لأن يعمروا الكعبة أصغر من حدودها. وذلك لعلمهم بأن الله لا يأجرهم على التصدق بالمال الحرام، ولا يريد ذلك.

وأنقل لكم قصة تاريخية عن بناء مسجد الذخيرة في القاهرة. وقد أنشأه ذخيرة الملك جعفر متولي الشرطة سنة 516هـ. وكان ظالماً غشوماً، يقبض الناس من الطريق، فيقيدهم ويستعملهم في بناء المسجد بغير أجرة. ولم يعمل فيه منذ أنشأه إلاّ صانع مكره، أو فاعل مقيد. فقام أحد الناس بكتابة هذه الأبيات على المسجد:

بنى مسجداً للّه من غيرِ حِلِّهِ ............ وكانَ بحمدِ اللَّهِ غيرَ موفق
كَمُطعِمَةِ الأيتام مِن كدِّ فرجِها .......... لكِ الويلُ لا تزني ولا تتصدّقي

قال ابن المأمون في تاريخه عن هذا الرجل: "وكان قد أبدع في عذاب الجناة وأهل الفساد ، وخَرَجَ عن حُكْمِ الكِتَابِ، فابتُليَ بالأمراض الخارجة عن المعتاد، ومات بعدما عجل الله له ما قدّمه، وتجنب الناس تشييعه والصلاة عليه، وذُكِرَ عنه في حالتي غسله وحلوله بقبره ما يُعيذ اللّه كلّ مسلم من مثله". وقد نُسِبت الأبيات لإسماعيل بن عمَّار الأسدي (60 - 140):

بنى مسجداً بنيانُه من خيانةٍ ... لَعَمري لَقِدماً كنتَ غير مُوفَّقِ
كصاحبة الرُّمَّان لمَّا تصدّقت ... جَرت مثلاً للخائِن المتصدِّقِ
يقولُ لها أهلُ الصلاح نَصيحةً ... لكِ الويلُ لا تزني ولا تتصدّقي

نسأل الله السلامة.

كما أن من الأمور المُبتدَعة التي شاعت هذه الأيام هي زخرفة المساجد. فمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بني من طين، وأرضه كانت تراباً وحجارة، حتى أنه لما ينزل المطر يسجد رسول الله -بأبي وأمي هو- في الطين. أما السقف فلم يكن موجوداً أول الأمر (يعني كأنهم يصلون في البرية). وهذا شاق جداً في تلك البلاد الشديدة الحرارة. فكيف لو كان واحد من هؤلاء في زمن النبي عليه الصلاة و السلام؟ أجزم بأنهم لن يحضروا معه صلاة واحدة. والله أعلم. كما أني سمعت عن ظاهرة غريبة مُنكرة، هي ظاهرة استقدام قس وحاخام ليخطبان بالناس تحت اسم حوار الأديان! كما حدث في ألمانيا مثلاً، حيث خطب القسيس خطبة الجمعة. وما بقي إلا أن يُعلّق صورة العذراء في صدر المسجد ويصلي الجمعة باسم الأب والابن وروح القدس!