ختان المرأة

ختان المرأة عادة فرعونية قديمة. وكانت البنات تُختن في مصر القديمة، كما يقول المؤرخ "سترابو". وقد يكون على الطريقة المتَّبعة في النُّوبة وبلاد السودان التي يسمُّونها: الختان الفِرْعَوْني. وقد نشرها المصريون القدامى في شرق إفريقيا. ويقول المؤرخون أنها عادة فرعونية قديمة نشأت في مصر في ما قبل زمن إبراهيم عليه السلام. مما يعني أن عادة ختان النساء نشأت قبل اختتان الرجال، باعتبار أول من اختتن من الرجال هو إبراهيم عليه السلام. ومن مصر انتشرت في حوض النيل ثم إلى شرق إفريقيا وصلت بشكل خفيف إلى الجزيرة العربية.

كما كانت المرأة تُختن عند العرب قبل الإسلام، وإن كان هذا نادراً. ومن أشهر من كانت تقوم بذلك "أمُّ أنمار" كما جاء في صحيح البخاري في قتْل حمزة. وقد كان هذا عاراً عند العرب وعيباً. جاء في صحيح البخاري (4|1495): خرج سباع فقال: هل من مبارز؟ فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب t فقال: «يا سباع، يا بن أم أنمار مقطعة البظور، أتحاد الله ورسوله r؟». قال ابن حجر في فتح الباري (7|369): «العرب تطلق هذا اللفظ في معرض الذم».

والملاحظ أنها تنتشر عادة في بلدان حارة، حيث المبرر لها هو تخفيف شهوة المرأة. لكن إذا كان الاستئصال كلياً (أي في حال الختان الفرعوني، ويكون باستئصال البظر كله وأحياناً المشفرين كذلك!) فإنه يتسبب بالبرود الجنسي عند المرأة. ولهذا تجد حالات البرود الجنسي في تلك البلدان أضعاف غيرها. فختان النساء يشبه إلى حد بعيد الإخصاء عند الرجل (وهذا يكون باستئصال خصيتيه وأحياناً باستئصال قضيبه كذلك)، مع الفارق في أنه لا يقطع النسل (في ثلاثة أرباع الحالات) لكنه يقطع الشهوة. ولما أتى الإسلام كان ختان المرأة موجوداً عند بعض الأعراب، ولم يأت نهي صريح عنه ولا استحباب له. لكن هناك أوامر عامة في النهي عن بتر الأعضاء وعن تحريم تغيير خلق الله.

وقد روي أن النبي r قال لأم عطية –وكانت خافضة (أي ختانة للنساء)–: «اشتمي ولا تنهكي». ومعنى الحديث أي لا تستأصلي إلا جزءاً صغيراً من البظر. ويسمون هذا بالختان السني! مع أن هذا حديث ضعيف مضطرب، لا يصح من أي طريق.

أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أسيد عن عبد الملك بن عمير عن الضحاك بن قيس: كان بالمدينة امرأة يقال لها أم عطية تخفض الجواري فقال لها رسول الله r: «يا أم عطية اخفضي ولا تنهكي فإنه أنضر للوجه وأحظى عند الزوج». ورواه الطبراني وأبو نعيم في المعرفة والبيهقي من هذا الوجه عن عبيد الله بن عمرو قال حدثني رجل (مجهول) من أهل الكوفة عن عبد الملك بن عمير به. وقال المفضل العلائي: سألت ابن معين عن هذا الحديث فقال: «الضحاك بن قيس هذا ليس بالفهري». أي خلافاً لعمل الحاكم وأبو نعيم، وهو أعلم منهما.

وقد اختلف فيه على عبد الملك بن عمير فقيل عنه كذا. وقيل عنه عن عطية القرظي قال كانت بالمدينة خافضة يقال لها أم عطية فذكره. رواه أبو نعيم في المعرفة. وقيل عنه عن أم عطية. رواه أبو داود في السنن، وأعله بمحمد بن حسان فقال: إنه مجهول ضعيف. وتبعه ابن عدي والبيهقي في تجهيله. وخالفهم عبد الغني بن سعيد فقال: هو محمد بن سعيد المصلوب.

وله طريقان آخران: الأول رواه البزار من حديث نافع عن عبد الله بن عمر رفعه «يا نساء الأنصار اختضبن غمسا، واخفضن ولا تنهكن، فإنه أحظى عند أزواجكن، وإياكن وكفران النعم». وفي إسناده مندل بن علي، وهو ضعيف. ورواه ابن عدي من حديث سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه. وفي إسناده خالد بن عمرو القرشي، وهو أضعف من مندل.

وأخرج الطبراني في المعجم الصغير (1|91 #122): حدثنا أحمد بن يحيى ثعلب النحوي حدثنا محمد بن سلام الجمحي حدثنا زائدة بن أبي الرقاد عن ثابت البناني عن أنس بن مالك أن النبي r، قال لأم عطية –ختانة كانت بالمدينة–: «إذا خفضت فأشمي ولا تنهكي، فإنه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج». قال الطبراني: «لم يروه عن ثابت إلا زائدة، تفرد به محمد بن سلام».

أي أن الطبراني أعلّ الحديث بالتفرد. ومن المعلوم عند المتقدمين أن تفرد الثقة مردود فكيف بتفرد الضعيف؟! ومحمد بن سلام هذا ضعيف، قال عنه أبو خثيمة: «يكتب عنه الشعر، وأما الحديث فلا». وقد ذكر ابن حجر هذا الحديث من غرائبه في لسان الميزان (5|182). وكذلك زائدة بن أبي الرقاد ضعيف كذلك. قال عنه البخاري: «منكر الحديث». أي تفرد بها اثنان من الضعفاء. وقد ذكر ابن عدي ذلك في الكامل (3|228).

والحديث الذي أخرجه الطبراني: «الختان سنة للرجال ومكرمة للنساء». فهذا ضعيف جداً. ذكر ذلك ابن عدي في الكامل (1|274) وابن حجر في لسان الميزان (1|95). ولينظر تلخيص الحبير (4|83 #1807). بل حتى الألباني ضعفه في سلسلته (#1935). وما أحسن ما قاله ابن المنذر: «لَيْسَ فِي الْخِتَانِ خَبَرٌ يُرْجَعُ إلَيْهِ، وَلا سَنَدٌ يُتَّبَعُ».

والدليل على التحريم أن الله قد حرم قطع أحد الأعضاء، ولو من الحيوان، فكيف بالإنسان؟ وختان النساء فكرة شيطانية دعا إليها إبليس، كما قال الله عز وجل: {إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا * لَّعَنَهُ اللّهُ. وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا * وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا}. والتبتيك: هو التقطيع.

قال مخالفونا: هذا نزل في تحريم قطع أطراف الأنعام وتغيير خلق الله. فتأمل أخي الموحد كيف يحتقر الواحد من هؤلاء المرأة التي حملت به وأرضعته وربته، فيجعلها في مرتبة أسوء من مراتب الأنعام. نعوذ بالله من العقوق. والرد عليهم أن رسول الله r قد لعن "المغيرات خلق الله". فهن مشمولات بالآية ولا شك.

واحتجوا بما رواه مالك موقوفاً في موطأه عن أمنا عائشة قولها: إذا التقى الختان الختان فقد وجب الغسل. ولا حجة في هذا الحديث الصحيح على ذلك. لأن اللفظ هـنا جاء من باب تسمية الشيئين أو الشخصين أو الأمرين باسم الأشهر منهما، أو باسم أحدهما على سبيل التغليب. ومن ذلك كلمات كثيرة في صحيح اللغة العربية منها العمران (أبو بكر عمر)، والقمران (الشمس والقمر) والنيران (هما أيضاً، وليس في القمر نور بل انعكاس نور الشمس عليه) والعشاءان (المغرب والعشاء) والظهران (الظهر ، العصر)، والعرب تغلب الأقوى والأقدر في التثنية عادة ولذلك، قالوا للوالدين: (الأبوان) وهما أب وأم. وقد يغلبون الأخف نطقاً في العمرين (لأبي بكر وعمر) . أو الأعظم شأناً كما في قوله تعالى: {وما يستوي البحران هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج} فالأول النهر والثاني البحر الحقيقي، وقد يغلبون الأنثى في هذه التثنية ومن ذلك قولهم: (المروتان) يريدون جبلي الصفا والمروة في مكة المكرمة. وكل ذلك مشهور معروف عند أهل العلم بلسان العرب.

روى عبد الرزاق، عن ابن جريج: أخبرني محمد بن الحارث بن سفيان قال: «يقضي في شفر قبل المرأة إذا أوعب حتى يبلغ العظم نصف ديتها وفي شفريها بديتها إذا بلغ العظم فإن كانت عاقرا لا تحمل». قال ابن جريج: واجتمع لعمر بن عبد العزيز في ركب المرأة إذا قطع بالدية من أجل أنها تمتنع من لذة الجماع. قال ابن جريج: وأخبرني عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال: «اجتمع العلماء لأبي في خلافته على أن: في العفلة تكون من الضربة الدية كاملة».

والذي يدفع الدية هي الخافضة، لأن الفقهاء قد أجمعوا على أن العاقلة لا تحمل دية العمد، وإنما هي من مال الجاني. وأما الإثم فيشاركها فيه أهل البنت ومن أعان على تلك المعصية، وكذلك يشاركونها في التعزير. كذلك تدفع الخافضة مع الدية أيضاً، قيمة ما ألحقته بالبنت من عيب الرتق، أي ضيق الفرج. لأنه من العيوب الأربعة التي جعل الفقهاء للزوج الخيار إذا دخل على المرأة، وهو لا يعلم هذا العيب، فله الخيار في رفض الزواج.

وهذا كله عن الختان الفرعوني، أما ما يسمى بالختان السني (مع تحفظي على هذه التسمية) فليس فيه بتر أعضاء، ولا تنطبق عليه أدلة التحريم. وهو أشبه بالعملية التجميلية، وليس فيه الضرر الصحي كذلك.