ديمقراطية فرعون

بسم الله الرحمن الرحيم

قد يستغرب البعض هذا العنوان. هل فرعون ديمقراطي؟ أليس فرعون طاغية؟

نعم، فرعون طاغية من الطغاة، لكنه ديمقراطي بمقياس الديمقراطية الغربية. وكان له مجلس شعب (كونغرس)، ويحتاج لتصديق هذا المجلس على قراراته لينفذها. بل يأتمر بأمره {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} (الشعراء:من35). قال فرعون عن موسى {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} (غافر:26). فهو يطلب من المجلس إعطاءه الصلاحيات لقتل موسى عليه السلام. وكان المؤمن الذي يخفي إيمانه يدافع عن موسى في هذا المجلس. وبعد صراع ونقاش، قام المجلس بالأغلبية الديمقراطية بإعطاء فرعون الصلاحيات للحرب على الإسلام. {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} (الزخرف:54).

قد يسأل البعض: ألم يدع فرعون الألوهية؟ {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} (القصص:من الآية 38) {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى} (النازعات:24). ونقول نعم، لكن الذي يسأل هذا السؤال لم يفهم معنى ادعاء فرعون للألوهية. فهو يريد أنه المشرع الأعلى، وأنه وحده الذي يطاع، وأن أوامره فوق كل أمر. أي تماماً كما يفعل طغاة اليوم. وليس مقصوده أنه خالق الكون، فهذا لو ادعاه لا يصدقه عليه أحد. بل إن فرعون وقومهم كانوا من الوثنيين المشركين عبدة الأصنام، وكان مجلس الشيوخ يطالب فرعون بحماية دينهم. {وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} (الأعراف:127). ولاحظ كلمة {آلهتك}. فهو يعبد الأصنام مثل قومه.

لقد كان فرعون يتظاهر بالديمقراطية أول الأمر. نعم، كان ديمقراطيا يناقش الحجج ويقول {قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} (الأعراف:106)، ويطلب من خصمه المناظرة أمام سائر الناس {فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ ولا أَنتَ مَكَانًا سُوًى} (طه:من58) ولكن حين بدأ التغير يطال نظامه تغير منطقه وتبدلت أفعاله. فليس هناك نظام يفرط في هيكله ويرضى الانقلاب عليه فقط لأن الشعب أراد ذلك. هذه حقيقة لا يغفل عنها إلا السذج.

إن فرعون لا يقبل الحوار إلا إذا كان في صالحه، فإذا أحس بالهزيمة استعمل لغة البطش والتنكيل. فالفراعنة لا يعرفون غير هذه اللغة: {قَالَ لَئِنْ اتَّخَذْتَ إِلَهًَا غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنْ الْمَسْجُونِينَ} (الشعراء:29). ومع ادعاء الديمقراطية والحرية، فهو يسيطر على أجهزة الإعلام، فلا يسمح لها أن تبث شيء يهدد وجوده {قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} (غافر:من29). ومن هنا فقد قام فرعون بدعوة جميع السحرة كي يقارعوا موسى الحجة بالحجة، ولكن على طريقتهم؛ فهم آلاف في مقابل موسى. ومن خلال هذه النهاية التي انتهت بإيمان السحرة الذين جيء بهم ليكونوا عونًا لفرعون، فجُنَّ جنونه، فاتهمهم بالعمالة والتبعية لموسى، وتوعَّدهم بعقاب شديد {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ؟؟} (الأعراف: من123)، فتحدوه بإيمانهم وقبلوا أن يلقوا ربهم شهداء.

أليست ديمقراطية اليوم تشبه ديمقراطية فرعون؟ {أَتَوَاصَوْا بِهِ؟ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} (الذاريات:53).