السؤال: الغنم والبقر وغيرها من المواشي التي ينالها القصف بالبراميل والصواريخ، فهذه منها ما يدرك جريحا فيذكى، ومنها ما لا يدرك إلا أنه أصابته جراحة شديدة فيموت بسرعة، وقد تكون في موضع النحر، ومنها ما يموت ولم يصبه جراحة.
الجواب:
إذا ذبح الحيوان المصاب أو المريض وفيه حياة أثناء الذبح، حل أكله، ولو لم تكن هذه الحياة مستقرة يعيش الحيوان بمثلها. وتعرف حياة الحيوان بحركة عضو له (يد أو ذنب) أو جريان نفسه، ونحو ذلك. وإلا فهو يعتبر من الميتة ولا تفيد فيه الزكاة، لقول الله سبحانه: {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم}.
قال ابن عبد البر في الاستذكار (5|262): «أجمعوا -في المريضة التي لا ترجى حياتها- أن ذبحها ذكاة لها، إذا كانت فيها الحياة في حين ذبحها وعلم ذلك منها بما ذكروا من حركة يدها أو رجلها أو ذنبها ونحو ذلك. وأجمعوا أنها إذا صارت في حال النزع ولم تحرك يداً ولا رجلاً، أنه لا ذكاة فيها». وأصل الإجماع ذكره الطحاوي في مختصر اختلاف العلماء (3|204). مع الانتباه إلى أن الإجماع هو في المريضة، وأما المصابة فالجمهور يراها مثل المريضة.
قال ابن حزم في مراتب الإجماع (ص148) ما مختصره: «وَاتَّفَقُوا ان مَا قدر عَلَيْهِ من الأنعام -وَهِي الضَّأْن وَالْبَقر والإبل والماعز- وَمَا قدر عَلَيْهِ من الصَّيْد وَفِي كل مَا يُؤْكَل لَحْمه من دَوَاب، فَقتل بِغَيْر ذبح من حلق أَو قفا فِي صدر أَو لبة، أَنه لَا يحل أكله.
وَاتَّفَقُوا أَن ما ذبحه الذَّابِح على الصِّفَات الَّتِي قدمنَا أَو نَحره الناحر على مَا وَصفنَا، أَنه إن كَانَ ذَلِك فِي حَيَوَان مرجو الْحَيَاة غير مُتَيَقن الْمَوْت أَن أكله جَائِز. وَاخْتلفُوا إدا كَانَ فِيهِ الرّوح إلا أَنه لَا ترجى حَيَاته بعلة أَصَابَته أَو بِفعل إنسانٍ أَو سبع حَيَوَان آخر فِيهِ أَو بترديه أَو انخناقه أَو غير ذَلِك.
وَاتَّفَقُوا أَن كل مَا مَاتَ وَخرجت نَفسه بالبت وَلم تدْرك ذَكَاته فِي شَيْء من ذَلِك قبل زهوق نَفسه، أَنه لَا يُؤْكَل إذا كَانَ من غير صيد المَاء».
والمروي عن الصحابة كله ضعيف (راجع المصنف والتمهيد والمحلى). وقد روي عن بعض السلف أن الحيوان إن يطرف بعينه أو يحرك شيئا، ففيه حياة ويجوز ذبحه. إلا أن عطاء استثنى من هذا الدابة التي سقطت فانقطع رأسها، فهذه لا تعتبر حية وإن بقيت بها حركة. كذا في مصنف عبد الرزاق (4|500).
جرح الحيوان عند تعذر الذكاة: الحيوان الذي يحل بالذكاة إن قدر على ذكاته ذكي في محل الذبح، وإن لم يقدر عليها كانت ذكاته بجرح جزء منه في أي موضع من بدنه بشرط أن يكون الجرح مدميا يجوز وقوع القتل به. وهو مذهب الجمهور خلافا لما يروى عن مالك.
أخرج البخاري (5503) ومسلم (1968) عن رافع بن خديج: إنا لاقوا العدو غدا، وليست معنا مدى، قال صلى الله عليه وسلم: «أعجل ما أنهر الدم، وذكر اسم الله، فكل، ليس السن، والظفر، وسأحدثك، أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة». قال: وأصبنا نهب إبل وغنم، فند (أي هرب) منها بعير، فرماه رجل بسهم فحبسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لهذه الإبل أوابد كأوابد الوحش، فإذا غلبكم منها شيء فاصنعوا به هكذا».
قال البخاري: «باب ما ند (أي نفر ولم يقدر عليه) من البهائم فهو بمنزلة الوحش. وأجازه ابن مسعود وقال ابن عباس: "ما أعجزك من البهائم مما في يديك فهو كالصيد، وفي بعير تردى في بئر: من حيث قدرت عليه فذكه". ورأى ذلك علي، وابن عمر، وعائشة».
فنقول عن السؤال: أن كل ما أصابه القصف، فما أدركته جريحا وإن كان ينازع فلك أن تنحره (أو تذبحه إن لم تقدر على نحره) فيجوز أكله. وأما سائر ذلك مما مات قبل أن تدركه، سواء أصابته جراحة في موضع النحر أم لم يجرح أصلا، فلا يجوز أكله. ويجوز إطعامه للبهائم، والاستفادة من شعره وجلده وأمثال ذلك. والله أعلم.