عورة المرأة المسلمة أمام النساء الكافرات

 

اختلف العلماء في جواز نظر الكافرة إلى زينة المرأة المسلمة. فقال بعضهم لا ترى الكافرة من المسلمة إلا كما يرى منها الرجل الأجنبي، أي الوجه والكفين. وقال بعضهم بل الكافرة حكمها كحكم المسلمة، فلها أن ترى من المسلمة كباقي النساء (مع خلافهم في تحديد ذلك). وسبب النزاع هو اختلافهم في تفسير قوله تعالى ]أو نسائهن[ فهل هو مقتصر على نساء المسلمين أم أن المراد به جملة النساء، فيشمل الكافرة أيضاً؟ واستدل الفريق الأول بأن قوله تعالى ]أو نسائهن[ معناه نساء المؤمنات حصراً، بدليل ما رُوِيَ عن مجاهد و ابن عباس وغيرهم من السلف. قلنا لم يثبت ولا عن واحد من هؤلاء هذا التفسير. إنما نقله عنهم قوم ضعفاء لا حجة فيهم، وتفصيل ذلك يطول.

وقد رجح بعض المفسرين أنّ كلمة "نسائهنّ" تعني جميع النساء وليس فقط المسلمات. ذكر هذا القول الرازي في تفسيره (3|207) وأيّده، وقال: «هذا هو المذهب»، أي مذهب الشافعي. وحمَل قول السلف على الاستحباب والأولى. وعلق على هذا الألوسي في تفسيره "روح المعاني" (18|143): «وهذا القول أرفق بالناس اليوم، فإنّه لا يكاد يمكن احتجاب المسلمات عن الذمّيات». قلت إذا كان هذا الحال في زمن الآلوسي، فما بالك بزماننا؟ وذكر أبو بكر بن العربي (المالكي) القولين في تفسير ]أو نسائهنّ[ ثمّ قال في "أحكام القرآن" (3|1359): «والصحيح عندي أنّ ذلك جائزٌ لجميع النساء».

قال الإمام أحمد بن حنبل (في رواية الأثرم): «ذهب بعض الناس إلى أنها لا تضع خمارها عند اليهودية والنصرانية، لأنها ليست من نسائهن. وأما أنا فأذهب إلى أنها لا تنظر اليهودية ولاالنصرانية ومن ليس من نسائها إلى الفرج، ولا تقبلها حين تلد». وهذا الصواب لأن النساء الكوافر من اليهوديات وغيرهن كن يدخلن على نساء النبي r، فلم يكن يحتجبن ولا أمرن بحجاب. وثبت في الصحيحين أنه قد جاءت يهودية تسأل أمنا عائشة t، فقالت: «أعاذك الله من عذاب القبر». فسألت أمنا عائشة رسول الله r، وذكر الحديث. وثبت في الصحيحين كذلك أن أسماء t قالت: «قدمت علي أمي وهي راغبة يعني عن الإسلام، فسألت رسول الله r: أصِلْها؟ قال: نعم».

ثم إنّ القول بحجاب المرأة المسلمة عن الكافرة يحتاج إلى دليل من نصّ صريح أو قياس صحيح. أمّا النصّ الصريح فلا وجود له، لأنّ قوله تعالى: ]أو نسائهنّ[ يحتمل التفسيرين كما ذكرنا. ومع الاحتمال يبطل الاستدلال. أمّا القياس الصحيح فلا يوجد أيضاً! فليس من القياس الصحيح مساواة غير المسلمة بالرجل الأجنبي، من جهة النظر إلى المسلمة ووجوب الحجاب عليها، للفرق الواضح بين الأجنبي وهو رجل وبين غير المسلمة وهي أنثى.