حديث المهدي الذي فيه ذكر الأبدال

الأحاديث التي جاء فيها ذكر الأبدال، صح منها واحد موقوف عن علي بن أبي طالب فقط، وأما حديث المهدي الذي جاء عن أم سلمة ففي صحته نظر، والله أعلم.

-------------------------

1- علي رضي الله عنه:

قال الإمام أحمد في مسنده (1\112): حدثنا أبو المغيرة (عبد القدوس بن الحجاج، ثقة بلا خلاف) ثنا صفوان (بن عمرو بن هرم، ثقة) حدثني شريح –يعني ابن عبيد– قال: ذُكِرَ أهل الشام عند علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو بالعراق فقالوا: العنهم يا أمير المؤمنين. قال: لا، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الأبدال يكونون بالشام، وهم أربعون رجلاً. كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً. يُسقى بهم الغيث، ويُنتصر بهم على الأعداء، ويُصرَفُ عن أهل الشام بهم العذاب».

إسناد حمصي رجاله ثقات لكنه منقطع. شريح بن عبيد شامي ثقة، قيل أنه قد سمع معاوية بن أبي سفيان (كما في تاريخ البخاري) ولم يصح. و قال ابن أبي حاتم في "المراسيل"، عن أبيه: "لم يدرك أبا أمامة (توفي سنة 86)، و لا المقداد (توفي سنة 33)، و لا الحارث بن الحارث، و هو عن أبي مالك الأشعري مرسل". وسئل محمد بن عوف: هل سمع شريح بن عبيد من أبي الدرداء؟ فقال: لا. قيل له: فسمع من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: "ما أظن ذلك، و ذلك أنه لا يقول في شيء من ذلك سمعت. وهو ثقة".

وقال في فضائل الصحابة (2\905): حدثنا عبد الرزاق قال أنا معمر عن الزهري عن عبد الله بن صفوان –وقال مرة عن عبد الله بن صفوان بن عبد الله– قال: قال رجل يوم صفين: اللهم العن أهل الشام. فقال علي: «لا تسب أهل الشام جما غفيرا، فإن بها الأبدال فإن بها الأبدال، فإن بها الأبدال».

قلت: شيخ الزهري هو صفوان بن عبد الله بن صفوان. ففي كتاب الأحاديث المختارة (2\111): أخبرنا أبو الحسن المؤيد بن محمد بن علي المقري الطوسي قراءة عليه ونحن نسمع بنيسابور أن أبا الفتوح عبد الوهاب بن شاه بن أحمد الشاذياخي أخبرهم قراءة عليه أنا الشيخ أحمد بن محمد بن مكرم أنا السيد أبو الحسين بن داود أنا أبو حامد بن الشرقي ثنا محمد بن يحيى الذهلي ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد (ثقة حجة) ثنا أبي (ثقة حجة) عن صالح بن كيسان (ثقة فقيه) عن ابن شهاب حدثني صفوان بن عبد الله بن صفوان أن عليا قام بصفين وأهل العراق يسبون أهل الشام فقال: «يا أهل العراق لا تسبوا أهل الشام جماً غفيراً، فإن فيهم رجالا كارهين لما ترون. وإنه بالشام يكون الأبدال». وقد اعتمدنا على هذه الرواية لأن الذهلي كان أعرف الناس بحديث الزهري.

وأخرج الإمام الثبت ابن المبارك في كتابه الجهاد (192): عن معمر عن الزهري قال أخبرني صفوان بن عبد الله بن صفوان أن رجلاً قال يوم صفين: «اللهم العن أهل الشام»، فقال علي: «لا تسبوا أهل الشام جمّاً غفيراً، فإن فيهم قوماً كارهون لما ترون، وإن فيهم الأبدال».

صفوان بن عبد الله الأكبر بن صفوان بن أمية بن خلف. ثقة مكي مدني. سمع أبا الدرداء (توفي في الشام سنة 32هـ). قال البخاري في تاريخه (4|305): «سمع ابن عمر وأم الدرداء. وعن علي». فلم يثبت له سماعاً من علي. وأستبعد أن يشهد أموي معركة صفين مع علي.

أخرج الحاكم في مستدركه (4|597): أخبرني أحمد بن محمد بن سلمة العنزي (صدوق أكثر عنه الحاكم وله ترجمة في تاريخ الإسلام)، ثنا عثمان بن سعيد الدارمي (إمام)، ثنا سعيد بن أبي مريم (ثبت فقيه)، أنبأ نافع بن يزيد (ثقة عابد)، حدثني عياش بن عباس (القتباني، ثقة)، أن الحارث بن يزيد (ثقة عابد) حدثه، أنه سمع عبد الله بن زرير الغافقي (ثقة شهد صفين مع علي)، يقول: سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه، يقول: «ستكون فتنة يحصل الناس منها كما يحصل الذهب في المعدن، فلا تسبوا أهل الشام، وسبوا ظلمتهم، فإن فيهم الأبدال. وسيرسل الله إليهم سيبا من السماء فيغرقهم، حتى لو قاتلتهم الثعالب غلبتهم. ثم يبعث الله عند ذلك رجلا من عترة الرسول صلى الله عليه وسلم في اثني عشر ألفا إن قلوا، وخمسة عشر ألفا إن كثروا، أمارتهم أو علامتهم أمت أمت على ثلاث رايات. يقاتلهم أهل سبع رايات، ليس من صاحب راية إلا وهو يطمع بالملك، فيقتتلون ويهزمون. ثم يظهر الهاشمي، فيرد الله إلى الناس إلفتهم ونعمتهم، فيكونون على ذلك حتى يخرج الدجال». صححه الحاكم ولم يتعقبه الذهبي.

وأخرجه ابن عساكر (1|335) من طريـق أحمد بن منصور الرمادي (ثقة) نا عبد الله بن صالح (كاتب الليث) حدثني أبو شريح عبد الرحمن بن شريح المعافري (ثقة عابد)، أنه سمع الحارث بن يزيد، ثني عبد الله بن زرير، أنه سمع علي بن أبي طالب يقول: «لا تسبوا أهل الشام، فإن فيهم الأبدال». وهذا كالذي قبله إسناد مصري صحيح.

وقد سئل شيخنا محدث الشام الشيخ عبد القادر الأرنؤوط -وأنا أسمع- عن الأبدال، فأجاب بأن خبر الأبدال صحيح (أراه يقصد الموقوف منه) لكن كل الأحاديث التي تحدد عددهم هي أحاديث ضعيفة. فليس للأبدال عدد محدد. و يوجد في دمشق بناء في جبل قاسيون يسمى بمقام الأربعين، يقول بعض العامة أن الأبدال كانوا يجتمعون هناك، وهي خرافة.

-------------------------

2- أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها:

حديث المهدي اختُلِفَ فيه عن قتادة، فرواه عنه معمر وهشام وعمران.

قال الطبراني في الكبير (23\390): حدثنا حفص بن عمر الرقي ثنا عبيد الله بن عمرو (ثقة فقيه ربما وهم) عن معمر عن قتادة عن مجاهد عن أم سلمة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون اختلاف عند موت خليفة فيخرج رجل من بني هاشم من المدينة إلى مكة فيجيئه ناس فيبايعونه بين الركن والمقام وهو كاره فيجهز إليهم جيش من الشام حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم فيأتيهم عصائب أهل العراق وأبدال الشام وينشئ رجل بالشام أخواله كلب فيجهز إليهم جيشا فيهزمهم الله وتكون الدائرة عليهم وذلك يوم كلب والخائب من خاب من غنيمة كلب ويستخرج الكنوز ويقسم الأموال ويلقى الإسلام بجرابه إلى الأرض يعيش في ذلك سبع سنين أو ست سنين». قال عبيد الله فحدثت به ليثا (ليث بن أبي سليم) فقال حدثنيه مجاهد.

قلت: ليث اختلط جداً في آخره فلم يعتبر الطبراني متابعته. قال الطبراني في الأوسط: «لم يرو هذا الحديث عن معمر إلا عبيد الله». وهو منقطع إذ روى ابن خثيمة عن ابن معين: قتادة لم يسمع من مجاهد شيئاً. ورواه عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن قتادة مرسلاً. وعبد الرزاق أثبت من عبيد في معمر. ثم إن معمراً قد خالفه هشام، فأثبت واسطة بين قتادة وبين مجاهد. وهشام أثبت من معمر في قتادة.

قال ابن حبان: أخبرنا أبو يعلى، قال: حدثنا محمد بن يزيد بن رفاعة (أبو بكر الواسطي أخو كرخويه، صدوق)، قال: حدثنا وهب بن جرير، قال: حدثنا هشام بن أبي عبد الله، عن قتادة، عن صالح أبي الخليل، عن مجاهد، عن أم سلمة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون اختلافٌ عند موت خليفة، فيخرج رجُل من قريش من أهل المدينة إلى مكة، فيأتيه ناس من أهل مكة، فيُخرِجونه وهو كاره، فيبايعونه بين الرُّكن والمَقام. فيبعثون إليه جيشا من أهل الشام، فإذا كانوا بالبيداء خسف بهم. فإذا بلغ الناس ذلك، أتاه أبدال أهل الشام وعصابة أهل العراق فيبايعونه. وينشأ رجل من قريش، أخواله من كلب، فيبعث إليهم جيشا، فيهزمونهم، ويَظهرون عليهم. فيقسم بين الناس فيأهم، ويعمل فيهم بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، ويلقي الإسلام بجرانه إلى الأرض (المراد: استقامته وقراره). يمكث سبع سنين».

قتادة مدلس و قد عنعن هنا، فلعل في السند انقطاع. ولو نظرنا لتصرف البخاري، لوجدنا أنه لا يقبل عنعنة قتادة عن أبي الخليل دون التصريح بالسماع. فقد أخرج في البيوع حديث البيعان بالخيار عن قتادة عن صالح أبي الخليل عن عبد الله بن الحارث، ثم أعاده مرة أخرى بصيغة عن قتادة قال سمعت أبا الخليل يحدث عن عبد الله بن الحارث.

وأخرجه أبو داود قال: حدثنا محمد بن المثنى (ثقة ثبت) ثنا معاذ بن هشام (جيد) حدثني أبي عن قتادة عن صالح أبي الخليل عن صاحب له عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يكُونُ اخْتِلافٌ عِنْدَ مَوْتِ خَلِيفَةٍ، فَيَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ هَارِبًا إِلَى مَكَّةَ، فَيَأْتِيهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَيُخْرِجُونَهُ وَهُوَ كَارِهٌ. فَيُبَايِعُونَهُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ. وَيُبْعَثُ إِلَيْهِ بَعْثٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، فَيُخْسَفُ بِهِمْ بِالْبَيْدَاءِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ. فَإِذَا رَأَى النَّاسُ ذَلِكَ أَتَاهُ أَبْدَالُ الشَّامِ وَعَصَائِبُ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَيُبَايِعُونَهُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ. ثُمَّ يَنْشَأُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَخْوَالُهُ كَلْبٌ فَيَبْعَثُ إِلَيْهِمْ بَعْثًا فَيَظْهَرُونَ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ بَعْثُ كَلْبٍ، وَالْخَيْبَةُ لِمَنْ لَمْ يَشْهَدْ غَنِيمَةَ كَلْبٍ. فَيَقْسِمُ الْمَالَ وَيَعْمَلُ فِي النَّاسِ بِسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُلْقِي الْإِسْلامُ بِجِرَانِهِ فِي الْأَرْضِ. فَيَلْبَثُ سَبْعَ سِنِينَ ثُمَّ يُتَوَفَّى وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ». وفي رواية أخرى تِسْعَ سِنِينَ. سنن أبي داود (4\107).

وأخرجه أحمد (#25467) قال: حدثنا عبد الصمد وحَرَمِيٌّ الْمَعْنَى قالا: حدثنا هشام، ثم بإسناده ولفظه. وهذه رواية أثبت بمرات من رواية وهب بن جرير، التي أخرجها ابن حبان. وهذا الإسناد أصح إسناد للحديث.

وأخرجه ابن أبي شيبة (8|609) والطبراني (23|295، 389) والحاكم (4|478) من طرق عن عمران القطان عن قتادة عن أبي الخليل (صالح بن أبي مريم) عن عبد الله بن الحارث عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يبايع لرجل من أمتي بين الركن والمقام كعدة أهل بدر. فيأتيه عصب العراق و أبدال الشام. فيأتيهم جيش من الشام، حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم ثم يسير إليه رجل من قريش أخواله كلب فيهزمهم الله. قال: وكان يقال إن الخائب يومئذ من خاب من غنيمة كلب».

قال الطبراني في الأوسط: لم يرو هذا الحديث عن قتادة إلا عمران القطان. قلت: وعمران هذا كثير الخطأ، فلا يقارن أبداً مع الثقة الثبت هشام الدستوائي الذي كان أثبت الناس في قتادة.

لكن للحديث أحاديث صحيحة كثيرة تشهد له منها:

·   أخرج مسلم: عن عبيد الله ابن القبطية قال: دخل الحارثُ بن أبي رَبيعة وعبدُ الله بن صفوان وأنا معهما على أم سَلَمة أم المؤمنين فسألاها عن الجيش الذي يُخسف به –وكان ذلك في أيام ابن الزبير– فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يعوذُ عائذٌ بالبيت، فيُبعثُ إليه بعثٌ، فإذا كانوا ببيداء من الأرض خُسِفَ بهم». فقلت: يا رسول الله، فكيف بمن كان كارهاً؟ قال: «يُخسَفُ به معهم، ولكنه يُبْعَثُ يوم القيامة على نيته». وقال أبو جعفر: هي بيداء المدينة.

و هذا يؤيد ما جاء في حديث أبي داود: يكُونُ اخْتِلافٌ عِنْدَ مَوْتِ خَلِيفَةٍ، فَيَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ هَارِبًا إِلَى مَكَّةَ، فَيَأْتِيهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَيُخْرِجُونَهُ وَهُوَ كَارِهٌ.

·   أخرج أحمد عن عدة ثقات عن ابن أبي ذئب (إمام) عن سعيد بن سمعان (ثقة) قال سمعت أبا هريرة يخبر أبا قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يُبَايَعُ لرَجُلٍ بين الرُّكْنِ والمَقام. ولن يستحل البيت إلا أهله، فإذا استحلوه فلا تسأل عن هَلَكة العرب. ثم تأتي الحبشة فيخربونه خراباً لا يَعْمُرُ بعده أبداً، وهم الذين يستخرجون كنزه».

و هذا يؤيد ما جاء في الحديث السابق فَيُبَايِعُونَهُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ.

·   أخرج مسلم: عن أم المؤمنين حفصة مرفوعاً: «لَيَؤُمَّنَّ هذا البيتَ جَيْشٌ يَغْزُونَهُ حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض يُخْسَفُ بأوسطهم وينادي أولهم آخرهم ثم يخسف بهم فلا يبقى إلا الشريد الذي يخبر عنهم».

و هذا يؤيد ما جاء في الحديث وَيُبْعَثُ إِلَيْهِ بَعْثٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، فَيُخْسَفُ بِهِمْ بِالْبَيْدَاءِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ.

·    أخرج الحاكم (4|478 #8447): (كذا عندي فيه انقطاع) حدثنا سليمان بن بلال (ثقة) عن كثير بن زيد (لين) عن الوليد بن رباح (صالح) عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: «المحروم من حرم غنيمة كلب ولو عقالا. والذي نفسي بيده لتباعن نساءهم على درج (طريق) دمشق، حتى تُرَدُّ المرأة من كسرٍ يوجد بساقها».

و هذا يؤيد ما جاء في الحديث ثُمَّ يَنْشَأُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَخْوَالُهُ كَلْبٌ فَيَبْعَثُ إِلَيْهِمْ بَعْثًا فَيَظْهَرُونَ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ بَعْثُ كَلْبٍ، وَالْخَيْبَةُ لِمَنْ لَمْ يَشْهَدْ غَنِيمَةَ كَلْبٍ. لكن الشاهد هذا ضعيف.

·         أخرج الحاكم (4|557): أخبرني أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي بمرو (ثقة، راوية سنن الترمذي)، ثنا سعيد بن مسعود (سعد بن مسعود المروزي، صدوق)، ثنا النضر بن شميل (ثقة ثبت)، ثنا سليمان بن عبيد (السلمي، ثقة)، ثنا أبو الصديق الناجي (ثقة)، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج في آخر أمتي المهدي. يسقيه الله الغيث. تخرج الأرض نباتها، و يعطى المال صحاحاً، وتكثر الماشية، وتعظم الأمة. يعيش سبعاً أو ثمانياً».

فهذا مؤيد تماماً لآخر حديث أبي داود: فَيَقْسِمُ الْمَالَ وَيَعْمَلُ فِي النَّاسِ بِسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُلْقِي الْإِسْلامُ بِجِرَانِهِ فِي الْأَرْضِ. فَيَلْبَثُ سَبْعَ سِنِينَ ثُمَّ يُتَوَفَّى وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ. وفي رواية أخرى تِسْعَ سِنِينَ.

هل هذه الشواهد تقوي الحديث؟ قد تكون تلك الشواهد مقوية له، لكن قد يكون العكس، أي قد يكون هذا الحديث موضوعاً مركباً من عدة أحاديث والله أعلم.

  • يكون اختلافٌ عند موت خليفة، يعني موت يزيد بن معاوية رحمه الله.

  • فيخرج رجُل من قريش يعني عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، وقد عاذ بالحرم.

  • فيأتيه ناس من أهل مكة، فيُخرِجونه وهو كاره، فيبايعونه بين الرُّكن والمَقام. إشارة لتوليه الخلافة، مع أنه لم يكن كارها لذلك بل هو دعا إليه.

  • فيبعثون إليه جيشا من أهل الشام، فإذا كانوا بالبيداء خسف بهم. إشارة لجيش الأمويين.

  • وينشأ رجل من قريش، أخواله من كلب، فيبعث إليهم جيشا، فيهزمونهم، أي أولاد يزيد، لأن يزيد من قريش وأخواله من كلب، وأمه ميسون الكلبية.

  • إن الخائب يومئذ من خاب من غنيمة كلب، تحريض للناس على الاشتراك بقتال جيش الأمويين حتى لا تفوتهم الغنيمة.

وكان المختار بن عبيد الثقفي من أنصار ابن الزبير وصار واليه على العراق، وكان يدفع المال لمن يضع له أحاديث تؤيد دعوته. وربما انتشار مثل هذا الحديث هو الذي دفع البعض لسؤال أم المؤمنين عن الجيش الذي يخسف به وهل هو جيش ابن الزبير أم لا؟ والله أعلم.

#################### ####################

ملحق فيه أمثلة للأبدال في كتب الحديث وكتب الرجال: وهذا من كلام الأقدمين مما يدل على معرفتهم بذلك وعملهم بالحديث واشتهار ذلك عندهم.

قال الإمام البخاري (وناهيك بالبخاري) في كتابه التاريخ الكبير (7|127): فروة بن مجالد مولى اللخم وكان يسكن كفر غما بالشام وكانوا لا يشكون أنه من الأبدال مستجاب الدعوة نسبه حجر بن الحارث.

وعند أبي داود (2990): كنا نقول إنه أي عنبسة بن عبد الواحد ( من الأبدال )

وفي ابن ماجه (3348): حدثنا يحيى بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي وكان يعد من الأبدال

وأخرج الدارمي3429 وهو غير صاحب العقيدة: حدثنا عبد الله بن يزيد حدثنا حيوة قال أخبرني أبو عقيل أنه سمع سعيد بن المسيب ……ثم قال أبو محمد: أبو عقيل زهرة بن معبد وزعموا أنه كان من الأبدال

أورد الإمام أحمد 15243 و16718 و17344 قال حدثنا عفان حدثنا موسى بن خلف أبو خلف وكان يعد من البدلاء وذكر حديثا آخر نحوه. ومثله في كتاب العلل ومعرفة الرجال (3|443)

وقال ابن حبان في كتابه الثقات في المواضع التالية:

549/5 يوسف الجوال النقاط وكان من الأبدال يروى عن أبى أمامة الباهلي روى عنه علي بن حميد أبو علقمة

63/8 إبراهيم بن إسحاق بن راشد الجزري الذي يروى أبوه عن الزهري يروى عن الأوزاعي سمعت مكحولا يقول سمعت أبا فروة يزيد بن محمد بن يزيد بن سنان يقول سمعت إبراهيم بن إسحاق بن راشد قال قال الأوزاعي إني لأعرف رجلا من الأبدال فقيل له من هو يا أبا عمرو فقال موسى بن أعين الجزري

137/8 أسد بن عيسى الذي يقال له رفعين من عباد أهل الشام يروى عن أرطأة بن المنذر روى عنه أهل بلده يغرب حدثنا مكحول ببيروت ثنا أبو ثوبان مزداد بن جميل ثنا أسد بن عيسى رفعين وما كانوا يشكون أنه من الأبدال ثنا أرطأة بن المنذر عن داود بن أبى هند عن سعيد بن المسيب عن أبى هريرة قال دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم للثلاث الثريد والسجود والكيل

أما الأمثلة التي نقلها المتأخرون مثل الحافظ الذهبي والحافظ ابن حجر فهي كثيرة تستحق أن تجمع في مؤلف حافل.