منهج ابن جرير الطبري

 

أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري، الإمام الفقيه المفسر المؤرخ. كان من كبار أئمة المسلمين.

تشيع الطبري

 فقد قال فيه الذهبي في ميزان الاعتدال في نقد الرجال (6\90): «فيه تشيع يسير وموالاة لا تضر». إذاً فرمي ابن جرير الطبري بالتشيع أمر صحيح، وهو لا يخالف أنه من أئمة أهل السنة. فالتشيع غير الرفض. ومن الأسباب التي دلت على تشيعه اليسير:

1- تصنيفه في فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

2- إثباته الأسانيد و الروايات لحديث غدير خم.

3- مناظرته مع إمام الحنابلة في عصره داود (أو ابن أبي داود) الذي نتج عنها أن صنّف كتاباً في الرد على الطبري، رماه بالعظائم والرفض، كما ذكر ذلك عوام الحنابلة في بغداد.

4- اشتباه اسمه باسم أحـد الروافض وهو محمد بن جرير بن رستم أبو جعفر الطبري الرافضي، صاحب فتوى المسح على الرجلين. أما صاحبنا ابن جرير بن يزيد، فهو إمام سني فيه تشيع خفيف، وليس فيه رفض البتة.

5- إكثاره من الرواية عن أبي مخنف لوط بن يحيى، حيث روى عنه خمسمئة وسبعاً و ثمانين رواية. وهو مؤرخ رافضي كذاب.

 

منهج ابن جرير في تهذيب الآثار

مع العلم بأن الظاهر من كلام المترجمين للطبري أن "تهذيب الآثار" صنفه ابن جرير بعد "جامع البيان " (تفسير الطبري المشهور). وذلك أنه توفي ولم يتمه كما ذكر الذهبي في السير.

 

قال الأَلْبَانِيُّ في كِتَابِهِ سِلْسِلَةُ الأَحَادِيْثِ الضَّعِيْفَةِ و المَوْضُوعَةِ (5\173) : «إِنِّي لأَعْجَبُ أشدَّ العجَبِ من أسلوبِ الإمامِ الطَّبريِّ في تَصْحِيْحِ الأحاديثِ في كتابِهِ المذكور (تَهْذِيْبُ الآثَارِ). فَقَدْ رأيتُ له فيهِ عشَرَاتُ الأحاديثِ يُصَرِّحُ بِصِحَّتِها عندَهُ، و لا يَتَكَلَّمُ على ذلك بِتَوْثِيْقٍ. بل يُتْبِعُهُ بحكايته عن العلماءِ الآخرينَ تَضْعِيْفَهم و بكلامِهِم في إعلاَلِهِ، و لا يردُّهُ. بحيثُ أنَّ القَارِئَ يَمِيْلُ إلَيْهِم دُونَهُ! فما أشْبَهَهُ فيهِ بأسلوبِ الرَّازِي في رَدِّهِ على المُعْتَزِلَةِ في تَفْسِيْرِهِ: يَحْكِي شُبُهَاتِهِم عَلَى أَهْلِ السُنَّةِ، ثُمَّ يَعْجِزُ عَنْ رَدِّهَا».

 

قال الشيخ عبد الله السعد في تقديمه لدراسة حديث أم سلمة في مبحث الجهالة:

وابن جرير الطبري كذلك (في تصحيح حديث المجهول). فقد روى في "تهذيب الآثار" في مسند علي (ص 118) من طريق أبي إسحاق عن سعيد بن ذي حدّان عن علي... ثم قال: «وهذا خبر عندنا صحيح سنده، وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيما غير صحيح لعلل...». إلى أن قال: «والثالثة: أن سعيد بن ذي حدان عندهم مجهول، ولا تثبت بمجهول في الدين حجة». قلت: قال ابن المديني عنه: «وهو رجل مجهول، لا أعلم أحداً روى عنه إلا أبو إسحاق». وذكره ابن حبان في "الثقات" (4| 282) على عادته، وقال: «ربما أخطأ».

وصحح أيضاً لحلام الغفاري، فقد روى في مسند علي من "تهذيب الآثار" (ص 158) من طريق شقيق بن سلمة عنه عن أبي ذر... ثم قال: «وهذا خبر عندنا صحيح سنده، وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيما غير صحيح لعلل...». إلى أن قال: «والثانية: أن حلّاما الغفاري عندهم مجهول غير معروف في نقله الآثار، ولا يجوز الاحتجاج بمجهول في الدين». قلت: وحلاّم هذا مجهول فيما يظهر، وقد ترجم ابن أبي حاتم لحلام بن حزل وقال: «يقال هو ابن أخي أبي ذر، روى عن أبي ذر، روى عنه أبو الطفيل، سمعت أبي يقول ذلك». وذكره البخاري في "التاريخ" (3| 129) و سمّاه: حلاب بن حزل. وسكت عنه.

وصحح أيضا لهانئ مولى علي، وفيه جهالة. فقد روى في مسند علي من "تهذيب الآثار" (ص170) من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عنه عن علي... ثم قال: «وهذا خبر عندنا صحيح سنده، وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيما غير صحيح لعلل...». إلى أن قال: «والثانية: أن هانئاً مولى علي غير معروف في أهل النقل، فلا يجوز الاحتجاج بنقله في الدين حجة». قلت: ترجم له البخاري في "تاريخه" (8| 229) وابن أبي حاتم (9|100) وسكتا عنه. وذكره ابن حبان في "الثقات" (5| 509) على عادته. وترجم له ابن حجر في "التهذيب" ولم يذكر فيه توثيقا سوى ما جاء عن ابن حبان. ولذلك قال الذهبي في "الميزان" (4| 291): «لا يعرف».

وصحح أيضا لمسور بن إبراهيم كما في مسند باقي العشرة (ص 102). وقد قال عنه الذهبي في "الميزان" (4| 113): «لا يعرف حاله، وحديثه منكر». وعندما ترجم له ابن حجر في "التهذيب" لم ينقل توثيقه عن أحد. ولم يذكره حتى ولا ابن حبان في "الثقات" فيما يظهر.

وصحح أيضا لنوفل بن إياس الهذلي كما في مسند باقي العشرة (ص120)، و هو ممن تجهل حاله. قال الذهبي في "الميزان" (4| 280): «لا يعرف». وذكره ابن حبان في "الثقات" (5| 479) كعادته في ذكر مثله.

وصحح أيضاً لأبي الرداد الليثي، كما في مسند باقي العشرة (121) وفيه جهالة (تنظر ترجمته في "الميزان" و "اللسان").

ومن صحح له أيضا عبيد الله بن الوازع، كما في مسند باقي العشرة (ص550). فقد روى من طريقه عن هشام بن عروة عن أبيه قال: قال الزبير... ثم قال: «وهذا خبر عندنا صحيح سنده، وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيما غير صحيح لعلتين...». إلى أن قال: «والثانية: أنه من رواية عبيد الله بن الوازع... وعبيد الله عندهم غير معروف في نقلة الآثار».

وعبيد الله هذا مجهول، لم يترجم له البخاري في "تاريخه"، ولا ابن أبي حاتم. وعندما ترجم له ابن حجر في "تهذيب التهذيب" لم ينقل توثيقه عن أحد، ولم يذكر في الرواة عنه سوى حفيده عمرو بن عاصم، ولذلك قال في "التقريب": «مجهول». وذكره الذهبي في "الميزان" (3| 17) وقال: «ما علمت له راويا غير حفيده». ولم يذكر فيه توثيقا. وأما قوله عنه في "الكاشف": «صدوق» فهذا فيه نظر لما تقدم. وذكره ابن حبان في "الثقات" (8|403) وطريقته في مثله معروفة.

وممن صحح أيضا: ابن أبي عمرة الأنصاري، فقد روى في باقي مسند العشرة (531) من طريق المسعودي عن ابن أبي عمرة عن أبيه... وقد قال قبل ذلك ( ص 526): «وقد وافق الزبير في رواية هذا الخبر عن رسول الله r جماعة من أصحابه، نذكر ما صح عندنا من ذلك سنده». ثم ذكر أحاديث منها هذا الحديث. و ابن أبي عمرة هذا مجهول فيما يظهر، وقد اختلف على المسعودي في تسميته، فمرة سماه: أبو عمرة، ومرة: رجل من آل أبي عمرة، ومرة أخرى: ابن أبي عمرة كما تقدم وهذا يؤكد جهالته، والله أعلم. وتنظر ترجمته في: "التهذيب" و " الميزان" (4| 558) و " الكاشف"، وقال الحافظ ابن حجر في "التقريب": «مجهول من السادسة، وإلا فالصواب أنه الأنصاري والد عبد الرحمن». قلت: الأنصاري والد عبد الرحمن صحابي، وقد مات في خلافة علي t، فهو ليس هذا جزماً.

 

تبين مما تقدم ما يلي:

1. أن أبا جعفر بن جرير صحّح لجمع من المجهولين، وتقدم أيضا ذكر الأدلة من أقوال الأئمة على جهالتهم.

2. أن بعض هؤلاء الرواة نص أبو جعفر على جهالتهم عند الآخرين، فعلى هذا لا يقال: إنه خفي على أبي جعفر جهالة هؤلاء الرواة، وعندما ذكر مخالفته لمذهب الآخرين في عدم جهالتهم لم يذكر ما يدلُّ على توثيقهم.

3. أن أبا جعفر نص على تصحيح الأسانيد التي فيها هؤلاء الرواة لذاتها، فعلى هذا لا يقال: إنه صحح هذه الأحاديث لشواهدها، خاصة أن بعض هذه الأسانيد منكرة، مثل تصحيحه لحديث سعيد بن ذي حدان، فإن الصواب وقفه على علي t، وإن كان المتن جاء من حديث صحابة آخرين. ومثل تصحيحه لحديث المسور بن إبراهيم، وحديثه منكر فرد، لم يتابع عليه، قال أبو حاتم الرازي في "العلل" لابنه (1| 452) عنه: «هذا حديث منكر، و مسور لم يلق عبد الرحمن، وهو مرسل أيضا». وقال الذهبي في "الميزان" (4| 113): «لا يعرف حاله، وحديثه منكر».

4. أن أبا جعفر بن جرير وإن كان يشترط لصحة الخبر أن يكون رواته ثقات –كما في مسند ابن عباس من "تهذيب الآثار" (ص: 26، 342، 623، وغيرها)– وأحياناً ينص على اشتراط العدالة –كما في مسند عمر (ص280) ومسند علي (272) ومسند ابن عباس (ص770) وغير ذلك– ولكنه يتوسع في حد الثقة كما تقدم في تصحيحاته، والله تعالى أعلم.

انتهى كلام الشيخ السعد وفقه الله.

 

وهناك مواضيع متعددة في "تهذيب الآثار" يصرح فيها الطبري بأن له منهج مستقل غير منهج المحدثين (ويسميهم الآخرين). وهذه بعضها:

 

تهذيب الآثار (1|55): «وهذا خبر عندنا صحيح سنده وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيما غير صحيح لعلل: إحداهما أنه خبر قد حدث به عن خالد عن عكرمة غير من ذكرت فأرسله ولم يجعل بين عكرمة والنبي ابن عباس. والثانية أنه من رواية عكرمة وقد ذكرت قولهم في عكرمة فيما مضى من كتابنا هذا. والثالثة أن راويه عن عكرمة خالد وكان شعبة يغمص عليه».

تهذيب الآثار (1|90): «وهذا خبر عندنا صحيح سنده وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيما غير صحيح لعلل: إحداها أنه من رواية عكرمة عن ابن عباس وقد ذكرنا قولهم في عكرمة وفيما روى فيما مضى قبل فكرهنا إعادته. والثانية أنه خبر قد رواه عن عكرمة غير خالد فأرسله ولم يصله ولم يجعل بينه وبين النبي أحداً. والثالثة أنه من نقل خالد عن عكرمة، وخالد عندهم في نقله نظر».

تهذيب الآثار (1|188): «وهذا خبر عندنا صحيح سنده وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيما غير صحيح لعلل: إحداها أنه خبر لا يعرف له مخرج من حديث خالد عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا إلا من هذا الوجه. والخبر إذا انفرد به عندهم منفرد وجب التثبت فيه. والثانية أنه من رواية عكرمة عنه وفى نقل عكرمة عندهم نظر. والثالثة أنه من رواية خالد عنه وفى نقل خالد عندهم ما ذكرنا قبل. والرابعة أنه خبر قد رواه عن عكرمة غير خالد فأرسله عن ابن عباس ولم يرفعه إلى النبي وخالفه أيضا في اللفظ والمعنى. والخامسة أنه قد رواه أيضا بعضهم عن عكرمة فأرسله ولم يجعل بينه وبين النبي أحدا وخالفه في اللفظ والمعنى. ذكر من روى ذلك عن عكرمة عن ابن عباس ولم يرفعه إلى النبي وجعله من كلام ابن عباس وخالفه في اللفظ والمعنى».

تهذيب الآثار (1|217): «وهذا خبر عندنا صحيح سنده لا علة فيه توهنه ولا سبب يضعفه وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيما غير صحيح لعلل: إحداهما أنه خبر قد حدث به عن عكرمة أيوب السختياني، فأرسله عنه ولم يجعل بينه وبين النبي أحدا. وإن كان بعض رواته قد وصله عنه. والثانية أنه خبر قد حدث به عن خالد الحذاء غير من ذكرت، فأرسله عنه عن عكرمة ولم يجعل بين عكرمة وبين النبي ابن عباس. والثالثة أنه من نقل عكرمة، وفى نقله عندهم نظر لأسباب قد بيناها قبل. والرابعة أنه من رواية خالد عن عكرمة وفى رواية خالد عندهم ما قد تقدم بيانه قبل».

تهذيب الآثار (1|240): «وهذا خبر عندنا صحيح سنده وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيما غير صحيح لعلتين: إحداهما أن بعض ما فيه من معانيه لا مخرج له يصح عن ابن عباس عن النبي إلا من هذا الوجه. والخبر إذا انفرد به عندهم منفرد وجب التثبت فيه. والثانية أنه من نقل عكرمة عن ابن عباس وفى نقل عكرمة عندهم نظر يجب التوقف فيه».

تهذيب الآثار (1|317): «وهذا الخبر صحيح عندنا سنده وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيما غير صحيح لعلل: إحداها أنه خبر لا يعرف له مخرج يصح عن ابن عباس إلا من هذا الوجه. والثانية لأنه من نقل عكرمة عن ابن عباس وفى نقل عكرمة عندهم نظر يجب التثبت فيه من أجله.  والثالثة أن المعروف عن ابن عباس من روايته القنوت في الصبح إنما هو عن عمر t دون الرواية عن النبي r».