منهج أبو الفتح الأزدي

قال الذهبي في ميزان الاعتدال (1\117): «وأبو الفتح يسرف في الجرح. وله مُصنَّفٌ كبيرٌ إلى الغاية في المجروحين. جمع فأوعى، وجرح خلقاً بنفسهِ لم يسبقه أحدٌ إلى التكلم فيهم. وهو مُتَكَلَّمٌ فيه». وقال عنه في تذكرة الحفاظ (3\967): «له مصنَّفٌ كبيرٌ في الضعفاء. وهو قويّ النفس في الجرح. وهّاه جماعةٌ بلا مستندٍ طائل». وقال عنه في سير الأعلام (13\389): «ليت الأزدي عرف ضعف نفسه».


وهناك دراسة قام بها الأستاذ الدكتور عبد الله مرحول السوالمة، وملخصه كما يلي:
تهدف هذه الدراسة إلى جمع واستقراء ما وجه إلى الحافظ الناقد أبي الفتح الأزدي (ت 374هـ) من طعون وانتقادات كالتشيع والرفض والوضع والضعف والنكارة والتشدد والسرف في نقد الرجال وجرحهم، هذا إلى جانب معرفة ما له عند العلماء من منزلة ومكانة في العلم والحفظ والفهم، مما جعل كثيراً منهم يُثني عليه و يُعْوِلُ على أقواله في الرجال وغيرهم. وعلى ضوء هذه الأقوال المتضاربة فيه، وعلى ضوء جمع ما يقرب من 1080 قولاً له في الرجال، تم جمعها مما يزيد على 40 مجلداً، ثم مقارنتها بأقوال النقاد الآخرين لمعرفة موافقاته ومخالفاته لهم وانفراداته عنهم، وما انتقد عليه منها، وما كان منها سبباً في الطعون فيه. فعلى ضوء دراسة ذلك كله –مع الأخذ بعين الاعتبار معرفة الملابسات والقرائن التي تسببت في إفراز تلك الطعون والانتقادات المختلفة– قد توصل الباحث إلى نتائج منها:
1- استحالة كون الأزدي مبتدعا أو وضّاعاً.
2- من الخطأ الحكم عليه بالضعف المطلق، بل يحمل تضعيفه على أحوال خاصة.
3- الحافظ الأزدي من الأئمة المجتهدين في الجرح والتعديل. وأقواله في الرجال مقبولة بالجملة. إذ انه لمتعقب في حالتي التفرد وعدمه بأكثر من 5% مما ذكر له من أقوال.


وبذلك يكن تصنيف أقواله وأحكامه على النحو التالي:
1- يُقبل قول الأزدي في التوثيق لأنه من المتشددين من جهة، ولأنهم لم يتعقبوه بحق فيما وقفت عليه من أقوال في التوثيق.
2- لا يُقبل جرحه منفرداً فيمن ثبتت عدالته واستقر عند العلماء توثيقه، ما لم يُبَيِّن ويُفَسِّر جرحه، وذلك لإسرافه في الجرح وتسرعه أحياناً.
3- يقبل قوله في المجروحين المشهورين بالضعف من غير بيان سبب.
4- يقبل قوله في المجهولين الذين لم يوجد فيهم كلام لغيره. إذ إعمال كلامه أولى من إهماله. اللهم إلاّ أن يكون المجهول من الكبار الذين تقادم العهد بهم ممّن لم يشتهروا بكثير رواية، ولم يطّلع العلماء على أحوالهم، فهؤلاء قد يتوقف أحياناً في قول الأزدي فيهم، لاحتمال أن يكون هؤلاء قد احتملهم الأئمة ورووا عنهم من جهة، ولاحتمال أن يكون الأزدي تشدَّدَ فيمن هذه حاله من جهة أُخرى.
5- إذا تعارض جرح الأزدي مع توثيق غيره، فإن كان هذا الغير من العلماء المشهورين بالنقد والاطلاع والاضطلاع فيه، والرجل المتكلم فيه من الثقات المشاهير، فلا يقبل قول الأزدي إلا ببيان الحجة على ما مر في (#2). وأما إذا كان الموثِّق ممن قد يتساهلون في التوثيق أحياناً –كابن حبان والعجلي مثلاً– فيُلجأ حينئذ إلى الترجيح على ضوء قرائن وملابسات. إذ قد يكون الرجل المتكلم فيه من المجاهيل ونحوهم، فيرجح قول الأزدي فيه. والله أعلم.